وإن كان يعلم أنه لا يكون من الممترين أبدا ، والله الموفق.
وقوله : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) الآية.
دعاهم صلىاللهعليهوسلم إلى المباهلة ، فالمباهلة في لغة العرب (١) : الملاعنة ، دعاهم إلى الدعاء باللعنة على الكاذبين ، فامتنعوا عن ذلك ؛ خوفا [منهم لحوق اللعنة ؛ فدل امتناعهم عن ذلك أنهم عرفوا كذبهم ، لكنهم تعاندوا](٢) وكابروا ؛ فلم يقروا بالحق.
وقوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) :
يعنى : الخبر الحق (٣).
وقوله : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) :
ظاهر ، قد ذكرناه فيما تقدم ، والله أعلم.
وقوله : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ، يحتمل : خبر الحق في أمر عيسى ـ عليهالسلام ـ أنه كان عبدا بشرا نبيّا ، (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ، أي : لا يحملنك شدة لجاجتهم وكثرتهم في القول فيه بهذا الوصف على الشك (٤) في الخبر الّذى جاءك عن الله ؛ كقوله : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ
__________________
ـ وقيل : ملكة اجتناب المعاصى مع التمكن منها.
وهي عند الأشاعرة بناء على أصلهم من استناد الأشياء كلها إلى الفاعل المختار : ألا يخلق الله فيهم ذنبا. وعند الماتريدية : عدم القدرة على المعصية ، أو خلق مانع منها ـ المعصية ـ غير ملجئ ـ ومعنى غير ملجئ : أن خلقه هذا المانع لا يقهر النبي على ترك المعصية وإلا يلزم الاضطرار المنامى للابتلاء والاختبار.
وقد أجمع الملّيّون كلهم على وجوب عصمة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ عن تعمد الكذب فيما دل على المعجز القاطع على صدقهم فيه مثل دعوى الرسالة وما يبلغونه عن الله تعالى.
ينظر : مختار الصحاح (٤٣٧) (عصم) ، التعليقات على شارح الجوهرة للشيخ محمد يوسف الشيخ (١١٦) ، التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (٥١٦) ، المصباح المنير (٤٩٣) (عصم) ، والمفردات (٥٠٤) (عصم) وتعريفات ابن الكمال (١١٧) ، شرح المواقف (٨ / ٢٦٣) ، الشفاء بحقوق المصطفي للقاضي عياض (٢ / ١٠٥).
(١) ينظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى (١ / ٦٩) ، والزاهر لابن الأنباري (١ / ٢١٩).
(٢) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٣) راجع : تفسير البغوي (١ / ٣١١).
(٤) الشك : الوقوف بين النقيضين ، وهو من شك العود فيما ينفذ فيه ، لأنه يقف بذلك الشك بين جهتيه.
ذكره الجرجاني. وقال غيره : وقوف بين المعنى ونقيضه ، وضده الاعتقاد فإنه قطع بصحة المعنى دون نقيضه.
وقيل : الشك : التردد بين نقيضين لا ترجيح لأحدهما عند الشاك. والشك ضرب من الجهل ، وهو أخص منه ، لأن الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأسا ، فكل شك جهل ولا عكس.
ينظر : التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (٤٣٦ ، ٤٣٧) ، وتعريفات الجرجاني (١٣٤) والكليات لأبي البقاء (٣ / ٦٢).