أو (١) إله ، فكيف قلتم في عيسى : إنه إله ؛ وإنه (٢) خلق لا من أب ؛ إذ عدم الأبوة في آدم لم يوجب أن يكون ربّا ؛ وكيف أوجب عدم الأبوة في عيسى كونه ربّا وإلها؟! والله الموفق (٣).
وإنما كان عيسى بقوله : «كن» ـ كما كان آدم ، أيضا ، ب «كن» ـ من غير أب.
وقوله : (كُنْ) :
قد ذكرنا أنه أوجز كلام في لسان العرب يعبر فيؤدي المعنى ؛ فيفهم المراد ، لا أن كان من الله ـ عزوجل ـ كاف ، أو نون ، أو وقت ، أو حرف ، أو يوصف كلامه بشيء مما يوصف به كلام الخلق ، تعالى الله عن ذلك.
وقوله : (فَيَكُونُ) :
يحتمل وجهين :
يحتمل «يكون» ، بمعنى : كان ، والعرب تستعمل ذلك ولا تأبى.
والثاني : أن تكون الكائنات بأسبابها في أوقاتها التي أراد كونها على ما أراد ، وأصل ذلك ، إذا ذكر الله ووصف بذكر بلا ذكر وقت في الأزل ، وإذا ذكر الخلق معه يذكر الوقت ، والوقت يكون للخلق يقول : خالق لم يزل ، وخالقه في وقت خلقه.
وقوله : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) :
يحتمل هذا وجوها :
يحتمل أن يكون الخطاب لكل أحد قال في عيسى ما قالوا ، أي : لا تكن من الممترين في عيسى أنه عبد الله خالصا ، وأنه نبيه ورسوله إليكم.
ويحتمل أن يكون الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد غيره ؛ وهكذا عادة ملوك الأرض أنهم إذا أرادوا أن يعرفوا رعيتهم شيئا ، يخاطبون أعقلهم وأفضلهم وأرفعهم منزلة وقدرا عندهم ؛ استكبارا منهم مخاطبة كل وضيع وسفيه ؛ فكذلك [ولله المثل الأعلى] الله ـ عزوجل ـ خاطب نبيّه ؛ إعظاما له وإجلالا ، والله أعلم (٤).
ويحتمل ما ذكرنا فيما تقدم أن العصمة (٥) لا تمنع الأمر ولا النهي ؛ بل تزيد أمرا ونهيا ،
__________________
(١) في ب : ولا.
(٢) في ب : وإن.
(٣) ينظر : اللباب في علوم الكتاب (٥ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨).
(٤) قال القرطبي : الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد أمته ؛ لأنه لم يكن شاكّا في أمر عيسى ، عليهالسلام.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ٦٧).
(٥) العصمة ـ لغة ـ : المنع. واصطلاحا : أن لا يخلق الله في المكلف الذنب مع بقاء قدرته واختياره. ـ