وهكذا يكون في العقل أن من اتبع آخر وأطاعه ؛ فهو أولى به ، وإنما الحاجة إلى السمع بمعرفة المتبع له والمطيع أنه ذا أو ذا ؛ فأخبر ـ عزوجل ـ أن الذين آمنوا والنبي صلىاللهعليهوسلم هم المتبعون له ؛ فهم أولى به.
وقوله : (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)
اختلف فيه ؛ قيل : الوليّ : الحافظ.
وقيل : الولي : الناصر.
وقيل : هو أولى بالمؤمنين ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدّم (١).
وقد يكون وليهم : بما دفع عنهم سفه أعدائهم في إبراهيم ، وأظهر الحق في قولهم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : في قوله ـ تعالى ـ : (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ..). الآية ، وفي قوله : (لِمَ تُحَاجُّونَ.). وفي قوله : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ ..). الآية ، ونوع ذلك من الآيات التي خصّ بالخطاب بها أهل الكتاب ـ وجوه من المعتبر.
أحدها : أن الذين خوطبوا بهذا الاسم [كانوا](٢) معروفين ، وأنه لم يخطر ببال مسلم أنه قصد به غير أهل التوراة والإنجيل ، ولا ذكرت تلاوتها في حق المحاجة على غيرهم ، ثبت أن المجوس ليسوا بأهل الكتاب ، وأن المراد من ذكر أهل الكتاب غيرهم ، وأن أخذ الجزية من المجوس ليس ممّا تضمنهم قوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩] ؛ لكن بدليل آخر ، وهو ما روي عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب ، غير ناكحى نسائهم ، ولا آكلى ذبائحهم» (٣) ؛ وعلى ذلك أيّد قوله : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) [الأنعام : ١٥٦] ؛ ليعلم أن الكتاب (٤) المعروف وأهله : هؤلاء ، إن كانت ثمّ كتب وصحف ، والله أعلم.
والثاني : أنّ الله خص أهل الكتاب بأنواع الحجج ، وجعل المحاجة بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ ليوضح أنه ـ وإن كان مرسلا إلى جميع البشر ـ كان له التخصيص في المحاجة ؛ وعلى ذلك عامة «سورة الأنعام» في محاجة أهل الشرك ، على أن أهل المدينة كانوا أهل كتاب ، وأهل مكة كانوا أهل شرك ، فحاجّ كلّا بالذي هو أحق أن يكلم فيه ، وإن كانت
__________________
(١) ينظر : الوسيط (١ / ٤٤٩) ، تفسير الرازي (٨ / ٨٠) ، واللباب في علوم الكتاب (٥ / ٣٠٨).
(٢) سقط من ب.
(٣) أخرجه مالك (١ / ٢٧٨) كتاب الزكاة : باب جزية أهل الكتاب والمجوس ، حديث (٤٢) من حديث عبد الرحمن بن عوف.
(٤) في ب : أهل الكتاب.