الحجة تلزم الفريقين ؛ لأن محاجة أهل الشرك أكثرها في التوحيد وأمر البعث ، وعلى وجوده [فيه](١) : في أهل الكتاب بعض المشاركة لهم ، ومحاجة أهل الكتاب بما في كتبهم ، وفيه وجهان :
أحدهما : العلم بما قد غاب عنه السبب الذي يوصل إليه بالكسب ؛ ليعلم أنه وصل إليه بالوحي ؛ فيكون من ذلك الوجه حجة على الفريقين.
والثاني : ظهور سفه أهل الكتاب بوجه يسقط عند التأمّل الرّيبة والمحلّ الذي كان يمنعهم ذلك عن اتباعه ، وذلك فيما مدح كتبهم ، وشهد لها بالصدق والحق ، وإظهار الإيمان برسلهم ؛ ليعلم أنه ليس بين الرسل والكتب اختلاف في الدعاء إلى عبادة الله وتوحيده ، وأنّ أولئك إنما كذبوا ؛ لتسلم لهم الرئاسة ، ثم ـ مع ذلك ـ ظاهروا أهل الشرك المكذبين لكتبهم ورسلهم ؛ ليعلم كلّ ذى عقل شبههم وتمردهم في الباطل ؛ إذ ظاهروا أعداءهم في الدين على من الذي أظهروا موالاته في الدّين ولى له ؛ فيكون في ذلك أبلغ الزجر لمتعنتيهم ، وأعظم الحجة عليهم فيما آثروا من السفه وتركوا الحق ، والله أعلم.
وفي ذلك وجه آخر : أن أهل الشرك قد عرفوا حاجاتهم إلى أهل الكتاب في أمور الدّين ، وما عليه أمر السياسة ؛ فيصير ما يلزم أولئك من الحجة لازمة لهم في محاجته بالذي في كتبهم ـ لزوم الحجة ، مع ما عليهم في ذلك بما [قد](٢)(أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) [فاطر : ٤٢] الآية ، أبلغ الحجة في محاجة أهل الكتاب ؛ إذ تمنوا أن يكون منهم نذير فكان ، وقد بلغ المبلغ الذي له ظهر بما خصّوا من الحجج ، وشاركوا أولئك في جميع ما به كان افتخارهم عليهم ودعوى الفضل ، والله أعلم ، مع ما لم يكن له اللسان الذي به ظهر كتبهم ، أخبر هو جميع ما في كتبهم بغير لسانهم ؛ ليعلموا أنه أدرك ذلك ممن له حقيقة كتبهم ، والله أعلم.
وفي ذلك وجه آخر : أنه حاجّهم بوجهين :
أحدهما : بالموجود في كتابهم ، والمعروف عند أئمتهم من العلم بالكلمة التي دعاهم إليها من التوحيد وعبادة من له الخلق والأمر ، وإخبار ما في كتبهم من أنواع البشارات به ، ومن موافقة الكتب (٣) ، وعلى ذلك أمر إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وغيرهم ؛ ليكون أعظم
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : الكتاب.