في الحجة ، وأقطع للشغب ، والله أعلم.
والثاني : بما قد حرفوا من كتبهم ، وبدلوا من أحكامهم ، وحرفوا من صفته ونعته ونعت أمّته ؛ ليعلم كلّ متأمل أنه لا وجه لتعلم ذلك بهم ؛ إذ لا يحتمل أن يكون منهم هتك أستارهم ، والاطلاع على أسرارهم بما لا يتهيأ لهم دفع ذلك ، ولا المقابلة في ذلك ؛ ليعلم كل الخلائق : من انقاد لهم أو لا ، أن ذلك لا يدركه إلا بمن له العلم بكل سرّ ونجوى ، ولا قوة إلا بالله.
مع ما في ذلك وجهان من المعتبر :
أحدهما : أن ذلك الزمان لم يكن زمان حجاج ونظر في أمر الدين ؛ إنما كان ذلك الزمان زمان تقليد (١) في أمر الدين ، وتناه في أمر الدنيا ، وتفاخر بكثرة الأموال والمواشي ؛ فبعث الله ـ تعالى ـ رسولا نشأ [من](٢) بين أظهرهم ، دعاهم إلى ترك التقليد في الدين ، واتباع الحجج التي لا يبلغها أهل الحجاج بعقولهم دون أن يكون لهم المعونة من علم الوحي ، وما فيه من حكمة الربوبية ؛ فكيف والقوم أصحاب التقليد؟! إمّا ثقة بأئمتهم الذين ادعوا علم الكتب المنزلة ، وإما ثقة وإيمانا بآبائهم فيما نشئوا عليه : أن الحق لا يشذ
__________________
(١) التقليد : هو العمل بقول الغير من غير حجة.
وذهب الأشاعرة إلى أنه لا يكتفى بالتقليد في العقائد الدينية بل لا بد من اعتقاد جازم عن دليل إذ الإيمان في المسائل الأصولية وهي قليلة يمكن الإحاطة بها وتكفي فيها المعرفة إجمالا ولا يشترط الاقتدار على التعبير عن ذلك.
يقول العلامة البغدادي في أصول الدين له : إن معتقد الحق قد خرج باعتقاده عن الكفر ؛ لأن الكفر واعتقاد الحق في التوحيد والنبوات ضدان لا يجتمعان غير أنه لا يستحق اسم المؤمن إلا إذا عرف الحق في حدوث العالم وتوحيد صانعه ...» إلى أن قال : «وهذا اختيار الأشعري وهو عنده ليس مشركا ولا كافرا ؛ وإن لم يسمه على الإطلاق مؤمنا وقياس أصله يقتضي جواز المغفرة له ؛ لأنه غير مشرك ولا كافر.
وذهب الماتريدية وعلى رأسهم المصنف إلى صحة إيمان المقلد ؛ وذلك لأن إيمان المقلد معه تصديق ، والتصديق أصل الإيمان يقول أبو منصور الماتريدي : ليس الشرط أن يعرف كل المسائل بالدليل العقلي ولكن إذا بنى اعتقاده على قول الرسول ، بعد معرفته بدلالة المعجزة أنه صادق فهذا القدر كاف لصحة إيمانه.
انظر تفصيل هذه المسألة في : أصول الدين للبغدادي (٢٥٥) ، نهاية الإقدام للشهرستاني (٤٧٢ ـ ٤٧٤) ، شرح المقاصد للتفتازاني (٢ / ١٩٤) ، أبو منصور الماتريدي وآراؤه الكلامية (٣٨٧) ، عبد الفتاح بركة ، وشرح جوهرة التوحيد للبيجوري (٣٤) ، ونظم الفرائد وجمع الفوائد لشيخى زاده (٤١ ، ٤٢) ، والبرهان (٢ / ١٣٥٧ ـ ١٣٥٩) ، والمحصول للرازي (٢ ـ ق ٣ / ١٢٥) ، والإحكام للآمدى (٣ / ٢٤٦) ، وجمع الجوامع (٢ / ٤٠٢) ، وفواتح الرحموت (٢ / ٤٠١) ، وإرشاد الفحول للشوكاني (٢٦٦).
(٢) سقط من ب.