عنهم ، على ما في ذلك من الاختلاف الذي يمنعهم الأمرين جميعا ، لكنهم (١) إذا لم يكونوا أهل نظر في الدّين ومحاجة فيه ، لم يعرفوا أن ذلك يمنعهم التقليد ؛ فأظهر لهم الحجج ، وأنبأهم بالمودع من حجاج أنبيائهم في كتبهم ، وألزمهم أن في آبائهم من يلزم التقليد ، كانوا أحق بذلك بما كان عندهم أن آباءهم كانوا على دينهم بما بيّن من تغييرهم (٢) وتبديلهم ، وترك (٣) الواجب عليهم من حق الاتباع ، والله أعلم.
والثاني : أن أظهر فيهم الاختلاف في أئمتهم ، على ادعاء كل منهم أن ذلك هو الذي كان عليه الأنبياء والرسل في أهل الكتاب ؛ وحاجات غيرهم بما ليس عندهم إلا آراء ليس عندهم فضل على القول ، ثم كان معلوما عند الاختلاف والتفرق ؛ فصارت الحاجة قد عمتهم ، والعلم بهم في لزوم الأحكام إلى من يدلهم على الحجة (٤) ويعرفهم الحق الذي قد تقرر عندهم ؛ فبعث الله بفضله من أظهر لهم بما أنطق به لسانه من الحجاج ، وأراهم من علمه مما غيروا حفظ ما كان عليه أوائلهم ؛ فكان ذلك أظهر البيان ، وأولى ما يعرف من أفضال الله عليهم بالإغاثة ، والامتنان عليهم بالفرج مما قد مستهم إليه الحاجة ، ودفعتهم إلى العلم به الفاقة ، والله الموفق.
وفي الفصل الأول بقي حرف لم نذكره ، وهو أن دعاهم إلى الزهد في الدنيا بعد الركون إليها ، وإلى الأخوة في الدين بعد ظهور التفاخر بينهم بتكثير العشائر ، وتقابل القبائل ، والسخاء بجميع ما طبعوا عليه بما قدّر عندهم : ما إليه ترجع عواقب أمرهم ، وقام بذلك على قهر العادة ومخالفة الطبيعة التي يعلم أن ذلك في مثل ذلك العصر آية سماوية خارجة عن وسع البشر ؛ ليكون أقطع لعذرهم ، وأسكن لقلوبهم إليه ؛ فلله الحمد على ذلك.
وقوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ ..). الآية.
قيل فيها بأوجه :
أحدها : أنها العدل ، وهي كلمة التوحيد ، وكانت عدلا باتفاق الألسن ؛ إذ سئلوا عمن خلق السموات والأرض في الفزع إليه بالإجابة ، وشهادة الخلقة على وحدانية من له الخلق والأمر ، والله أعلم.
__________________
(١) في ب : لكن.
(٢) في ب : كغيرهم.
(٣) في ب : وتركه.
(٤) في ب : المحجة.