الله بذلك ؛ إذ الفضل عند الخلق هو فعل ما ليس عليه لا ما عليه ؛ فنعوذ بالله من السرف في القول ، والزيغ عن الرشد.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) ـ : يحتمل أن يكون في السرّ ، وإن أعطيتم لهم الظاهر.
ويحتمل : أن يكون بعد ما أظهرتم اكفروا آخره.
ويحتمل : لا تؤمنوا بما جاء به ، إلا لأجل من تبع دينكم ؛ فيكون عندهم قدوة ، يتقرر عندهم ـ بالذي فعلتم ـ أنكم أهل الحق ؛ فيتبعكم كيفما تصيرون إليه.
ويحتمل : (لا تُؤْمِنُوا) : لا تصدّقوا فيما يخبركم عن أوائلكم ، (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) على المنع عن تصديق الرسول فيما (١) يخبرهم من التحريف والتبديل ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) : يحتمل وجهين :
أحدهما : البيان هو ما بين الله ؛ إذ هو الحق ، وكل ما فيه الصرف عنه فهو تلبيس وتمويه.
ويحتمل : أن يكون الدين هو الذي دعا إليه بما أوضحه وأنار برهانه ، لا الدين الذي دعا إليه أولئك المنحرفون (٢).
(أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) ، أي : لن يؤتى ـ والله أعلم ـ من الكتاب والحجج.
ويحتمل أن يكون صلة قوله : (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) ، وهو دينه ، أو ما دعا إليه ، ثم يقول : (أَنْ يُؤْتى) بمعنى : لن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أهل الإسلام من الحجج والبينات ، التي توضح أن الحق في أيديكم.
وقوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) : فإن كان هو صلة الأوّل ، ف «أو» بمعنى : «ليحاجوكم» ، أو : «حتى يحاجوكم» إذا آمنتم بما دعوا إليه ؛ فيحاجوكم بذلك عند ربكم ، أي : إنما آمنتم بالذي جاء لكم من عند ربكم ؛ فيصير ذلك لهم حجة عليكم.
وإن كان صلة الثاني ، فهو على أنهم لا يؤتون مثل ما أوتيتم من الحجج ؛ ليحاجوكم بها عند ربّكم في أن الذي هو عليه حق ؛ لما قد ظهر تعنتهم وتحريفهم ـ والله أعلم ـ ثم بين السبب الذي هو نيل كل خير وفضل ، والله أعلم (٣).
__________________
(١) في ب : بما.
(٢) وهو بمعنى قول ابن عباس : الدين دين الله ، ذكره الرازي في تفسيره (٨ / ٨٥) ، وينظر اللباب في علوم الكتاب (٥ / ٣٢١).
(٣) قال الطبري : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) معترضا به ، وسائر الكلام متسق على سياق واحد ، فيكون تأويله حينئذ : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا ـ