الدين الذي هو عليه دين الله ، لكن هذا ـ والله أعلم ـ كل منهم في الابتداء يبغي دين الله في نفسه ، لكن بان له من بعد وظهر بالآيات والحجج أنه ليس على دين الله ، وأن دين الله هو الإسلام ، فلم يرجع إليه ولا اعتقده ، ولزم غيره بالاعتناد والمكابرة ؛ فهو باغ غير دين الله ، والله أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) ، أي : أفغير ما في دين الله من الأحكام والتوحيد.
ويحتمل : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ) : يدينون ، وليس على الاستفهام ؛ ولكن على الإيجاب أنهم في صنيعهم يبغون غير الذي هو دين الله ، كقوله : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠] ؛ وكقوله : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ ..). [النور : ٥٠] الآية.
وقوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) :
يحتمل وجوها :
يحتمل : أسلم ، أي : استسلم ، وخضع له بالخلقة ؛ إذ في خلقة كلّ دلالات وحدانيته.
ويحتمل : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ) ، يعني : الملائكة ، (وَالْأَرْضِ)(١) المؤمنين الذين أسلموا طوعا وكرها ، يعني : أهل الأديان يقرون أن الله ربهم وهو خلقهم ؛ كقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧] فذلك إسلامهم ، وهم في ذلك مشركون.
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال] : «من فى السّماوات أسلموا طوعا ، وأمّا أهل الأرض : فمنهم من أسلم طوعا ، ومنهم من أسلم كرها ؛ مخافة السّيف» (٢).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه أيضا ـ قال : «طوعا من ولد فى الإسلام ، وكلّ من أسلم ولم يولد فى الإسلام فهو كره» (٣).
وقيل : منهم من أسلم طوعا ، ومنهم من جبروا عليه (٤) ، والإسلام : هو تسليم النفس
__________________
(١) في الأصول : ومن في الأرض ، وهو خطأ ، والآية صوابها كما أثبتنا.
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري (٦ / ٥٦٧) برقم (٧٣٥١) من طريق عباد بن منصور ، وابن أبي حاتم (٢ / ٣٧٦) (٨٩٤) من طريق عبد الرحمن العصري كلاهما عن الحسن ، وأخرجه أيضا ابن جرير برقم (٧٣٥٢) عن مطر الوراق ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٨٥) وعزاه للديلمي عن أنس بن مالك.
(٣) ذكره الحافظ السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٨٥) وعزاه للطبراني عن ابن عباس بسند ضعيف.
(٤) أخرجه ابن جرير (٦ / ٥٦٦) برقم (٧٣٤٧) ، (٧٣٤٩) عن مجاهد بن جبر و (٦ / ٥٦٧) ، برقم (٧٣٥٣) ، (٧٣٥٤) عن قتادة بألفاظ متقاربة. وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٨٦) وعزاه لعبد ابن حميد.