ربّ ، فيقال له : قد سئلت أيسر من ذلك!» (١).
وقوله : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)
يحتمل أن تكون الآية ـ والله أعلم ـ في كفار منعهم عن الإسلام الزكاة والصدقات التي تجب في الأموال ؛ كقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا ..). الآية [التوبة : ٧٥ ـ ٧٦] ، إلى قوله : (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [التوبة : ٧٧] : أخبر ـ عزوجل ـ لن تنالوا الإسلام حتى تنفقوا مما تحبّون من الأموال ؛ وكقوله : (لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) [فصلت : ٧].
وتحتمل الآية في المؤمنين ؛ رغبهم ـ عزوجل ـ في إنفاق ما يحبّون ؛ كقوله : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) الآية [البقرة : ١٧٧] : أخبر أنّ البرّ ما ذكر : من الإيمان به ، وإيتاء المال في حبه.
وروى عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : لما نزل قوله ـ تعالى ـ : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، قال أبو طلحة (٢) : يا رسول الله ، حائطى الذي في مكان كذا وكذا فهو لله ، ولو استطعت أن أسرّه ما أعلنته ؛ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اجعله فى قرابتك ـ أو أقربائك» (٣).
وروى عن ابن عمر (٤) ـ رضي الله عنه ـ أنه لما نزل هذا : أعتق جارية (٥).
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٣ / ٢١٦) : كتاب الرقاق : باب من نوقش الحساب عذب ، رقم (٦٥٣٨) ، وأحمد في مسنده (٣ / ٢١٨) ، من حديث أنس.
(٢) هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو النجاري أبو طلحة الأنصاري ، شهد بدرا والمشاهد ، وكان من نقباء الأنصار. قتل يوم حنين عشرين رجلا ، وعاش بعد النبي صلىاللهعليهوسلم أربعين سنة ، ومات سنة ٣٤ ه في خلافة عثمان رضي الله عنهم.
ينظر : الخلاصة للخزرجي (١ / ٣٥٣) ، سير أعلام النبلاء (٢ / ٢٧) رقم (٥).
(٣) أخرجه أحمد في مسنده (٣ / ٢٦٢) ، ومسلم في صحيحه (٢ / ٦٩٣ ، ٦٩٤) في كتاب الزكاة ، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين ، برقم (٩٩٨) ، والنسائي في سننه (٦ / ٥٤٢) برقم (٣٦٠٤) ، وأبو داود في سننه (١ / ٥٢٨) برقم (١٦٨٩) ، والبيهقي في الكبرى (٦ / ١٦٥ ، ٢٨٠) وأخرجه البخاري بألفاظ أخرى (١١ / ٢٠٣) في كتاب الأشربة : باب استعذاب الماء برقم (٥٦١١) ، وأخرجه أيضا برقم (٢٧٥٨ ، ٢٧٦٩).
(٤) هو الصحابي ابن الصحابي عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبد الرحمن ، هاجر مع أبيه وشهد الخندق وبيعة الرضوان ، وروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أحاديث كثيرة ، وكان إماما متينا واسع العلم ، وافر النسك ، كبير القدر ، متين الديانة ، عظيم الحرمة. مات سنة ٧٤ ه.
ينظر : الخلاصة للخزرجي (٢ / ٨١) ، سير أعلام النبلاء (٣ / ٢٠٣) ، رقم (٤٥).