الوجوه ، وسواد الوجوه ، فبياض الوجوه هم المؤمنون ، وسواد الوجوه هم الكافرون ؛ لأنه قال : (أَكَفَرْتُمْ) فأصحاب الكبائر لم يكفروا بارتكابهم الكبيرة ، ولم يجعل الله ـ تعالى ـ فرقة ثالثة ؛ وهم فرقة ثالثة ؛ وكذلك قال ـ عزوجل ـ : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى : ٧] لم يجعل الخلق إلا فريقين ، وهم جعلوا فرقا ؛ وكقوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [التغابن : ٢].
فإن قيل : ذكر في الآية الكفر بعد الإيمان ، ثم لم يكن فيه منع دخول من لم يكفر بعد الإيمان ؛ فامتنع ألا يكون فيه منع دخول صاحب الكبيرة
فجوابنا ما سبق : أن خلقة كل كافر تشهد على [وحدانية الله تعالى](١) ، لكنهم كفروا بألسنتهم ، وذلك كفر بعد الإيمان ؛ فلم يجز أن يدخل في الآية من لم يكن كافرا في حكم الكافر ، وبالله التوفيق.
وقوله : (فَذُوقُوا الْعَذابَ)
في الظاهر أمر ، لكنه في الحقيقة ليس بأمر ؛ لأن العذاب لا يذاق ، وإنما يذوق هو ؛ فكأنه قال : اعلموا أن عليكم العذاب (٢).
وقوله : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ..). [الآية](٣) :
يحتمل : (آياتُ اللهِ) : حجج الله وبراهينه.
ويحتمل : (آياتُ اللهِ) : القرآن (٤).
__________________
ـ الأحاديث نصت على خروج صاحب الكبيرة من النار ، فالمراد بالخلود بهذا المعنى كثير ، كقولهم : خلد الله ملكه ، والمراد : طول المدة بلا شبهة.
وأما عند أهل السنة : فقالوا : إن الثواب على الطاعة فضل من الله ـ تعالى ـ وعد به فيفي به ؛ لأنه سبحانه لا يخلف الميعاد ، والعقاب على المعصية عدل منه تعالى ، وله العفو عنه ؛ لأن العفو فضل ، ولا يعد الخلف في الوعيد نقصا بل يمدح به عند العقلاء ، وعمل الطاعة دليل على حصول الثواب ، وفعل المعصية علامة العقاب ، فلا يكون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية واجب على الله تعالى.
وقال أهل السنة أيضا : إن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)[الزلزلة : ٧] والإيمان خير ، ولا يرى جزاء خيره إلا بعد خروجه من النار. وللأحاديث الدالة على خروج العصاة من النار. وانظر تفصيل هذه المسألة في : نشر الطوالع (ص : ٣٥٩ ، ٣٦٠).
(١) بدل ما بين المعقوفين في ب : وحدانيته.
(٢) ينظر : اللباب لابن عادل (٥ / ٤٥٧).
(٣) سقط من ب.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٤٦٨) (١١٥٣) عن قتادة ، وذكره الواحدي في الوسيط (١ / ٤٧٦) عن ابن عباس.