والشرف في الإيمان ما لم يكن لأحد مات منهم على الكفر ؛ نحو : عبد الله بن سلام (١) ، ومن أسلم منهم ؛ نحو : كعب (٢) ، وغيره من الأحبار؟! وإنما كانوا من علمائهم لم يكونوا من علماء أهل الإيمان ، فنالوا بالإيمان من الذكر والعزّ والشرف ما لم ينل أحد منهم مات على الكفر ، بل حمل ذكرهم وانتشر في أهلهم ؛ فضلا عن أهل الإيمان والإسلام ، والله أعلم.
والثاني : أنهم كانوا أبوا الإسلام واتباع محمد صلىاللهعليهوسلم ، واختاروا المقام على الكفر ؛ خوفا وإشفاقا على ما لهم من المنافع والمنال أن يذهب ذلك عنهم بالإسلام ، فأخبر ـ عزوجل ـ أنهم لو آمنوا لكان خيرا لهم في الآخرة ؛ إذ ذاك (٣) ينقطع ويذهب عن قريب ، والذي لأهل الإيمان في الآخرة باق دائم ، لا يزول أبدا ؛ لما كان الذي ينال بالإيمان غيبا ، وكذلك ما يحلّ بالكفار (٤) من جزاء الكفر ـ غيب اشتد عليهم الفكر والتدبر ، لما يمنعهم عن الشهوات ، وينغص عليهم اللّذات ، فآثروا ما هوته أنفسهم وتلذذوا به على التدبّر ، مع ما كان إدراك الغائب بالشاهد أمر عسير ، لا يوصل إليه إلا بفضل الله ، ولم يكن عليه ذلك لا يسقط معنى الإفضال والإنعام ، ويصير حقّا مع ما كان منهم تقديم الجفاء ، وإيثار زهرة الدنيا وبهجة الغنى على الموعود ، والله أعلم.
وقوله : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) :
كذلك كانوا : كان المؤمنون أقل ، والكفار أكثر ، [والله أعلم](٥).
وقوله : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ..). الآية :
فيه بشارة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين ، بالأمن لهم عن أذى المشركين وضررهم ، إلا أذى باللسان ؛ وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [آل عمران : ١٨٦] ، وقوله : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ..). الآية [الحشر : ١٢] ، ونحوه من الآيات التي فيها بشارة لأهل الإيمان بالنصر لهم على
__________________
(١) عبد الله بن سلام بن الحارث أبو يوسف ، الخزرجي أسلم مقدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وشهد فتح بيت المقدس مع عمر رضي الله عنهم ، وشهد له النبي صلىاللهعليهوسلم بالجنة. مات سنة ٤٣ ه. ينظر : الخلاصة (٢ / ٦٤) ، سير الأعلام (٢ / ٤١٣) رقم (٨٤).
(٢) هو كعب بن ماتع الحميري ، تابعى جليل ، كان من علماء اليهود فأسلم ، توفي ٣٢ ه. ينظر : تذكرة الحفاظ (١ / ٤٩).
(٣) في ب : ذلك.
(٤) في ب : بالكافر.
(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.