عدوهم (١).
وفي قوله : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً ..). الآية ـ دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه أخبر بذلك قبل أن يكون ، فكان على ما أخبر ؛ فدل أنه إنما علم ذلك بالله عزوجل.
وقوله : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ)
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «ضربت عليهم المسكنة» وليس فيه الذلة ، وفي حرف حفصة : «ضربت عليهم المسكنة والذلة».
ثم اختلف في (الذِّلَّةُ) : قيل : هي الجزية التي ضربت عليهم (٢) ، وهي ذلة ؛ كقوله : (عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩] ؛ لأنهم كانوا يأنفون عنها.
وقوله : (أَيْنَ ما ثُقِفُوا) أي : وجدوا.
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)
يعني : بعهد من الله ، وعهد من الناس يكون تحت قوم يؤدّون الجزية ؛ وكذلك تأوّل ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) أي : بعهد من الله ، وعهد من الناس (٣).
وقال مقاتل (٤) : و «الناس» في هذا الموضع : النبي صلىاللهعليهوسلم خاصّة.
ويحتمل قوله : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) بكفرهم فيما بين المسلمين ، بعد ما كانوا أهل ذكر وشرف وعز فيما بينهم.
(أَيْنَ ما ثُقِفُوا)
أي : لا يوجدون إلا بحبل من الله وحبل من الناس ـ بالإسلام ، أي : لا يظفرون بهم ولا يوجدون ؛ إلا أن يسلموا لخوفهم على أنفسهم.
وقوله : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) :
__________________
(١) قال ابن كثير : فإنهم يوم خيبر أذلهم الله وأرغم أنوفهم ، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة : بني قينقاع ، وبني النضير ، وبني قريظة ، كلهم أذلهم الله. وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين ، ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم كذلك ويحكم بملة الإسلام وشرع محمد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.
ينظر : تفسير ابن كثير (١ / ٣٩٦).
(٢) أخرجه الطبري (١ / ٣١٥) ، وابن أبي حاتم (١ / ١٩٥) (٦٢٧) عن الحسن وقتادة.
(٣) أخرجه الطبري (٤ / ١١٢) (٧٦٣٨) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٤٧٨ ـ ٤٨٠) (١١٨٨ ، ١١٩٧). وابن المنذر كما في الدر المنثور (٢ / ١١٥).
(٤) في ب : ابن مقاتل.