المسلمون تحبونهم ـ يعنى : المنافقين ـ ولا يحبونكم على دينكم (١).
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : وفي الآية بيان أن أولئك قوم يحبهم المؤمنون ، إمّا بظاهر الإيمان أو بظاهر الحال ، منهم من طلب مودتهم ، فأطلع الله المؤمنين على سرّهم ؛ لئلا يغترّوا بظاهرهم ، وليكون حجة لهم ولرسول الله صلىاللهعليهوسلم بما أطلعه الله على ما أسرّوا ، والله أعلم.
ومن قال : إن أوّل الآية في الكفار ـ يجعل قوله : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) على الابتداء ، والقطع من الأوّل ؛ لأنه وصفهم بصفة المنافقين ، ووسمهم (٢) بسمتهم وليس في الأول ذلك.
وقوله : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ)
هو على التمثيل ، يقال عند شدة الغضب : فلان يعض أنامله على فلان ، وذلك إذا بلغ الغضب غايته.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله : (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) : إنما كان يغيظهم ما كان للمسلمين من السعة ، والنصر ، والتكثر ، والعز ؛ فيكون في ذلك دعاء لهم بتمام ذلك ، حتى لا يروا فيهم الغير ، والله أعلم.
وفي حرف حفصة : «قل موتوا بغيظكم لن تضرونا شيئا إن الله عليم بذات الصدور» على الوعيد.
وقوله : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ).
قال : ليس هذا وصف المنافقين في الظاهر ؛ لأنهم كانوا يطمئنون عند الخيرات ، لكنّه يحتمل أنهم كانوا يطمئنون بخيرات تكون لهم لا للمؤمنين : (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها) ذكر في القصة أنهم إذا رأوا للمسلمين الظفر على عدوهم والغنيمة ـ يسوءهم ذلك ، وإذا رأوا القتل والهزيمة عليهم ـ يفرحون به ويسرّون.
وقيل : إذا رأوا للمؤمنين الخصب والسعة ـ ساءهم ، وإذا رأوا لهم القحط (٣) والجدب وغلاء السعر ـ فرحوا به (٤) ، لكن هذا يحتمل في كل خير رأوا لهم ـ اهتموا لذلك ، وفي
__________________
(١) أخرجه بمعناه ابن أبي حاتم (٢ / ٥٠٣) (١٢٨٤) ، عن الحسن البصري ، وعن قتادة أخرجه ابن جرير (٧ / ١٥١) (٧٦٩٦) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٥٠٣) (١٢٨٥)
(٢) وسمهم : علّمهم. ينظر : اللسان (٦ / ٤٨٣٨) (وسم).
(٣) القحط : احتباس المطر. ينظر : القاموس المحيط (ص ٦١٣) (قحط).
(٤) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ١٥٥) (٧٧٠٥) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٥٠٧ ، ٥٠٨) (١٣٠٤) ، (١٣٠٦) عن قتادة ، وعن مقاتل بن حيان أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٥٠٨) (١٣٠٥) ، (١٣٠٧). وذكره السيوطي في الدر (٢ / ١١٩).