وقوله : (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) : أي : يودون ويتمنون ما أثمتم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : أي : ودوا أن تشاركوهم في أشياء تؤثمكم ويبعثكم عليه.
وقيل : العنت : الضيق (١) ؛ أي : ذلك قصدهم ؛ كالآية التي تتلوها. وقوله : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) :
من قال : إن أول الآية في المنافقين يقول : قوله : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ما ذكر في آية أخرى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد : ٣٠] أنهم كانوا يعرفون المنافق في لحن كلامه.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) : ما كان من التفريق بقوله : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران : ١٧٣] ، وإظهار السرور بنكبتهم ، كقوله : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ ..). الآية [النساء : ٧٢].
وقوله (٢) : (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) : وذلك أنهم كانوا يظهرون الموافقة لهم ، ويضمرون العداوة والخلاف لهم ، والسعي في هلاكهم فما كانوا يضمرون أكثر ما [كانوا](٣) يظهرون.
ومن قال بأن الآية في الكفار ـ فهو ظاهر.
وقوله : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) : من الشتيمة والعداوة ، ويضمرون أكثر من ذلك من الفساد والشرور ، والله أعلم.
وقوله : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) :
يحتمل قوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) البينات ، ويحتمل قوله : إن كنتم تنتفعون بعقولكم ؛ لأنه ـ عزوجل ـ ذكر في غير آي من القرآن أنهم لا يعقلون ، قد كان لهم عقول لكنهم لم ينتفعوا بعقولهم ، فإذا لم ينتفعوا نفي عنهم العقل رأسا.
وقوله : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) : من قال : إن أول الآية في المنافقين (٤) فهذا يدل له ويشهد ؛ لأنه قال : (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا ..). الآية. يقول : ها أنتم يا هؤلاء
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٤ / ٣٦٠) (٤٢١٠) عن ابن عباس ، وعن السدي بمعناه (٤ / ٢٥٩) (٤٢٠٧) ، وعن ابن زيد بمعناه (٤٢٠٨) ، وذكره ابن كثير في عمدة التفاسير (٣ / ٢٨).
(٢) في ب : قوله.
(٣) سقط من ب.
(٤) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٥١) (٧٦٩٨) عن مجاهد بن جبر ، وعن الربيع بن أنس أخرجه ابن جرير (٧ / ١٤٥) (٧٦٩٢) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٥٠٢) برقم (١٢٧٩).