الإشارة من الإمام ، وذلك في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] ذكر مقاعد القتال في هذه الآية ، لكن الذي لزم من ذلك في آية أخرى ـ ذكر الصف بقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف : ٤] ، وذكر في آية أخرى الثبات بقوله ـ عزوجل ـ : (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) [الأنفال : ٤٥] والأصل أنهم أمروا بالثبات ، فالأحسن أن يختار لهم أمكنة لهم بها معونة على الثبات ، والله أعلم ، فيحتمل أن يكون أراد بالمقاعد القعود ، وذلك أثبت للقتال وأدفع للعدو ، وفيما ذكر الصف ذكر للجملة عليه بقوله ـ عزوجل ـ : (إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ* وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) [الأنفال : ١٥ ، ١٦] فيه رخصة الحملة على العدو ، وباجتهاد إن كان فيها تولى الأدبار.
ويحتمل أن يكون أراد بالمقاعد : الأماكن والمواطن للقتال والحرب ، والله أعلم.
وقوله (١) : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
يحتمل : سميع لمقالتكم ؛ عليم بسرائركم.
ويحتمل : سميع بذكركم الله والدعاء له ؛ لأنهم أمروا بالذكر لله ، والثبات للعدوّ بقوله ـ عزوجل ـ : (فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) [الأنفال : ٤٥] ، وعليم بثوابكم.
ويحتمل قوله : (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) : البشارة من الله ـ عزوجل ـ بالنصر لهم ، والأمن من ضرر يلحقهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ لموسى وهارون : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى * قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) ثم قال ـ عزوجل ـ : (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [طه : ٤٤ ـ ٤٦] أمّنهما من عدوهما بقوله ـ عزوجل ـ : (أَسْمَعُ وَأَرى) ، فعلى ذلك يحتمل ذا في قوله ـ عزوجل ـ : (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، ويكون سميع : أي : أسمع دعاءكم ؛ بمعنى : أجيب ، وأعلم ما به نصركم وظفركم ، والله أعلم.
وقوله (٢) : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا).
قوله : (هَمَّتْ) :
يحتمل : أن همّوا همّ خطر.
ويحتمل : أن همّوا همّ عزم ، وكذلك هذا التأويل في قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) [يوسف : ٢٤] همت هي همّ عزم ، وهمّ هو بها همّ خطر ، وهمّ الخطر يقع من غير صنع من صاحبه ، وهمّ العزم يكون بالعزيمة والقصد.
__________________
(١) في ب : وقوله ـ عزوجل.
(٢) في ب : وقوله ـ عزوجل.