والخائب : هو الذي لم يظفر بحاجته ، أي : رجعوا ولم يصيبوا ما أمّلوا (١).
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : ما ذكر من حضور الملائكة الحرب فهو ـ والله أعلم ـ في حق محنة الملائكة ، ولله أن يمتحنهم بما شاء من الحضور والمعونة ، والكف عن ذلك ، أو الدعاء لأوليائه بالنصر ، وبما شاء الله من الوجوه التي يمتحن بها عباده ، وفيهم من قد امتحنه على الأرزاق والأرواح ، والأمطار والأعمال ، وأنواع الأذكار والأفعال ؛ إذ هم خلق اصطفاهم واختارهم لعبادته وطاعته في جميع ما يأمرهم ؛ ليجل به قدرهم ، ويعلى رتبتهم ، ثم لو أذن لهم بالمعونة أعانوا المؤمنين على قدر الإذن لهم ؛ إذ هم ـ على ما وصفهم الله ـ : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧].
وقوله : (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) [فصلت : ٣٨] وغير ذلك مما وصفهم بالطاعة له ، والاتباع لأمره ، وما أكرمهم من هيبة جلاله ، وخوف عقابه ، صلوات الله عليهم أجمعين.
ثم كان للمؤمنين في حضورهم أنواع البشارات فيما لم يكن أذن لهم بالقتال ، وأنواع الآيات فيما قد أذن لهم ، على ما ذكر من أمر بدر وغيره ؛ مما أخبر الله ـ عزوجل ـ من إرسال جنوده ، وهزيمة أعدائه ؛ بمنّه وفضله ، من ذلك : ما (٢) قال الله ـ عزوجل ـ : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ..). الآية [الأنفال : ١٢] ، أن يكون الله يؤيّدهم بما به تشجيع قلوب المؤمنين على ما قد أمكن أعداءه من أنواع الوساوس (٣) ، التي لديها تضطرب قلوبهم ، وتزل أقدامهم ، فمثله يمكن أولياءه في تشجيع المؤمنين ، ليسكن قلوبهم ، ويثبت أقدامهم ، والله أعلم.
والثاني : أن يكون الذي جبل عليه الخلق أن يكون كل أحد عند معاينة الحاجة إلى دعائه ، وما يحتمل وسعه من معونة ؛ عليه أقبل وبه أرغب ؛ فيكون للمؤمنين بحضورهم رجاء النصر بدعائهم ، ويخرج قوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا ..). الآية [غافر : ٥١] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) ، والله أعلم.
أو كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عصرهم يبشرهم بحضورهم ؛ فيكون لهم بذلك فضل ثبات وقرار حياة منهم بما أعلموا اطلاعهم على ذلك ، أو يكون لهم فضل قوة بذلك ، وإقبال
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٩٣) (٧٨٠١) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٥٣٢) (١٣٨٦) عن ابن إسحاق ، وذكره أبو حيان في البحر (٣ / ٥٥) وعزاه للمبرد ، وذكره ابن عادل في اللباب (٥ / ٥٢٧).
(٢) في ب : على ما.
(٣) الوساوس : من الوسوسة : وهي حديث النفس ، يقال : وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا والوسواس : الشيطان. ينظر : اللسان (٦ / ٤٨٣٠) (وسس).