في الشركة ، وإن لم يبلغوا تلك الرتبة بفضل الله ، أو بما أعطى من ذكر فيهم من الشفاعة ، أو بما شاركوا أولئك في أصل الاعتقاد بقبول ذلك ، وإن كان منهم تقصير على أنه قد يذكر في [كل](١) أمر من الأمور العظيمة ، والنهاية في ذلك على مشاركة من دونهم لهم في ذلك ، وعلى ذلك ما ذكر من بعث الرسل إلى الفراعنة على دخول من دونه في ذلك ، وعلى مخاطبة أهل الجلال في ذلك ، ودخول من دونهم في الحق ؛ وكذلك ذكر الخطاب في أهل الرفعة والعلو على تضمين من دون ذلك ؛ فكذلك الأول ؛ وكذلك الله ـ سبحانه ـ ذكر في القرآن من الكفرة الذين جمعوا مع الكفر العناد والتمرد ، وذكر أهل الإيمان الذين لهم مع ذلك الخيرات منّا منه ، إن ذكر هؤلاء بأعلى [ما استحقوا من الثناء ، والأول](٢) بأعلى ما به يصير لمقته ، من غير تخصيص في أصل له الوعد والوعيد ، إلا من حيث التشديد والتفضيل ، فمثله الأوّل ؛ أيد ذلك قسمته أهل الجنة قسمين : السابقين ، ـ وأصحاب اليمين ، ثم قال في الذين من ذكر : الذين (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) [التوبة : ١٠٢] ، وقد بين في آخر ذلك ما يدل على ذلك ، وهو من ذكر من الذين يأتون الفواحش والظلم ، ثم (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) ، ويكون في ذلك وجهان :
أحدهما : أن الله ـ تعالى ـ بمنّه يوفقه لما يرضيه في آخر أمره ؛ ليختمه به ؛ إذ كان في وقت ارتكابه ما ارتكب ، وتقصيره فيما قصر ـ معتقدا جلال ربّه ، خائفا عظمته ، راجيا رحمته ، متعرضا لما عرفه من الكرم والعفو ، فيكون هو شريك من ذكر في الخاتمة ، وإن كان منه تخلف عنه في الابتداء ، والله أعلم.
أو أن يكون يجزيه عما قصر وفرط ؛ حتى يطهره مما كان من الخلط ؛ فيرجع إلى ما وافق الأول في جملة الاعتقاد ، فتكون معدة لمن جمع ذلك ، والجمع يكون بالذي ذكر ، أو بالعفو والجود ؛ إذ جعل الجزاء طريقه الجود والكرم ، لا الاستحقاق ، والله أعلم.
وإن كان على معنى الثاني ـ فالآية تخرج مخرج الترغيب في جميع تلك الأوصاف ، وتكون الجنة في الإطلاق معدّة للمتقين ، الذين اتقوا الشركة والدرجات وما فيها من الفضائل والمراتب ، على قدر ما يبقى من أنواع الخلاف في الأفعال ، ويتوسل إلى الله ـ تعالى ـ بالمبادرة والمسارعة إلى ما فيه الرغائب ؛ وعلى ذلك أمر الوعد بتفضيل الدّرجات في الجنة ، وتفريق الدركات في النار ، على ما أعدت النار في الجملة للكفرة ، ويتفاوت أهلها بتفاوت الأفعال من الخلاف والتمرد ، والله الموفق.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ما بين المعقوفين سقط من ب.