وصف ذلك ـ انقطع عنه الطمع ، واضمحل الرجاء.
وبعد ، فإن ثم دارا أخرى سوى الجنة ، فأوجب ذلك نهاية الجنة من حيث العرض.
إذ كان غير الجنة دار أخرى مثلها في ارتفاع نهاية الوقت ، وجائز وجود أمرين مختلفين على اتفاق في الوقت ، ومحال وجودهما في مكان واحد اتفاق بمكان ؛ لذلك لزم نهايتهما ، وإن زالت عنهما نهاية الوقت (١).
وقوله : ـ عزوجل ـ : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) :
والاتقاء : هو من الطاعة في كل أمره ونهيه ، وترك مخالفته في ذلك كله ، ثم سبب التقوى يكون بوجوه ثلاثة : بذكر عظمته وجلاله ورفعته عن مخالفة أمره ونهيه ؛ فيذله (٢) ذلك ويحقره ، فيمنعه عن مخالفته.
أو بذكر نعمته وإحسانه ، فيمنعه ذلك عن ارتكاب ما نهي عنه حياء منهم.
والثالث : بذكر نقمته وعذابه في مخالفة أمره ونهيه ؛ فيتقي بذلك عذاب الله ونقمته.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : وقوله ـ عزوجل ـ : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ، ثم فسّر الذين يتقون إلى آخر ذلك ، فهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد : من (٣) أعدت له ، [له](٤) من جميع الذي ذكر.
والثاني : أن يريد ب (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ) اتقوا الشرك بالذي أخبر ـ عزوجل ـ بقوله : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨]. ثم وصفهم بالذي ذكر من الأفعال المحمودة ؛ لا أن ذلك بكليته شرط لأن يعد له الجنة حتى يحرم من لم يبلغ ذلك ، فإن كان على الأول ـ فكأنه وصف النهاية لمن أعدّت الجنة ، وقد يجوز أن يكون لهم أتباع
__________________
(١) قال القرطبي : ونبه تعالى بالعرض على الطول ؛ لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض ، والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض. قال الزهري : إنما وصف عرضها ، فأما طولها فلا يعلمه إلا الله. وهذا كقوله تعالى : (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) [الرحمن : ٥٤] ، فوصف البطانة بأحسن ما يعلم من الزينة ؛ إذ معلوم الظواهر تكون أحسن وأتقن من البطائن ، وتقول العرب : بلاد عريضة ، وفلاة عريضة : أي واسعة.
وقال قوم : الكلام جار على مقطع العرب من الاستعارة ، فلما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السموات والأرض ، كما تقول للرجل : هذا بحر ، ولشخص كبير من الحيوان : هذا جبل. ولم تقصد الآية تحديد العرض ، ولكن أراد بذلك أنها أوسع شيء رأيتموه.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ١٣٢).
(٢) في ب : فيذلّله.
(٣) في ب : ممن.
(٤) سقط من ب.