لنفسه ، بمعنى ضرّها ؛ ونحس (١) لحظّها ؛ إذا فعل ما ليس له الفعل ووضع اختياره في غير موضعه ، وهما معنيا الظلم ، وكذلك من تعدى حدّ الله أو آثر ما يزجره العقل والشرع ـ فقد فحش فعله ، وذلك معنى الظلم الذي وصفت ؛ إذ فعل ما ليس له ، واختياره غير الذي له ـ هو الذي يزجره العقل والشرع ، والله أعلم.
ويحتمل وجها آخر غير هذين : وهو أن الظلم يجمع كل وجوه الخلاف ؛ عظم أو صغر ، ولذلك قد نسب ذلك إلى زلات الأخيار ، نحو ما قيل لآدم ـ عليهالسلام ـ في أكل الشجرة : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٣٥] ، وقيل في الشرك : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة : ٥١].
والفواحش : ما [ظهر وتبين](٢) قبحه ؛ لا ما قلّ أو كثر في الذنوب ، وعلى ذلك النقصان ظلما بقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الكهف : ٣٣] ، وقد يوصف العيب والنقصان بالفحش ؛ لكنه إذا كثر وظهر فمثله في الزلات ، ويكون كالطيب في المحلّلات من المباح ونحوه في الدرجة ، والله أعلم.
ثم ليس بنا حاجة إلى معرفة المقصود بالذكر في الآية ؛ لما فيها الرجوع عن ذلك ، وطلب المغفرة ، وكل أنواع المآثم بالتوبة تغفر بما وعد الله في الشرك ، والزنا ، والقتل ؛ فما دونه ـ بقوله : (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ..). [الفرقان : ٦٩] إلى تمام (٣) الآية ، والله أعلم.
وقوله : (إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً).
يحتمل الفاحشة : ما فحش في العقل وقبح.
وقال آخرون : كل محرم منهيّ فهو فاحشة.
والأول كأنه أقرب ؛ لأن الشيء ما لم يبلغ في الفحش والقبح غايته ؛ فإنه لا يقال : فاحشة ، وإذا بلغ الغاية ـ فحينئذ كالطيب ، أنه إنما يقال ذلك إذا بلغ غايته في الحل واللّذة ، فأما أن يقال لكل حل في الإطلاق طيبا ـ فلا ، فعلى ذلك : الفواحش ؛ لا يقال لكل محظور محرم ، إنما يقال ما بلغ في القبح والفحش غايته ، فأما أن يقال ذلك لكل محرم منهي ـ فلا ، وبالله التوفيق (٤).
__________________
(١) النحس : الجهد والضّرّ ، والنحس : خلاف السعد من النجوم وغيرها. ينظر : اللسان (٦ / ٤٣٦٦) (نحس).
(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : يظهر ويتبين.
(٣) في ب : آخر.
(٤) قال القرطبي : والفاحشة تطلق على كل معصية ، وقد كثر اختصاصها بالزنا حتى فسر جابر بن عبد الله والسديّ هذه الآية بالزنا.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ١٣٥).