لم يدخلوا في إطلاق قوله ـ عزوجل ـ : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ولا دخلوا في قوله : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) فيكون لهم موضعا بالنار.
وأما عندنا : فإنه يرجى دخول من ارتكب المساوئ من المؤمنين في قوله ـ عزوجل ـ : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ، بقوله ـ عزوجل ـ : (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٢] ذكر خلط عمل الصالح مع السيئ ، ثم وعد لهم التوبة بقوله ـ عزوجل ـ : (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) والعسى من الله واجب.
والثاني : قوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) [الأحقاف : ١٦] فإذا تجاوز لم يبق لهم مساوئ ؛ فصاروا من أهل هذه الآية : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).
وقوله ـ أيضا ـ : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) قالوا : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
أخبر أنهم (إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) : وقد ذكرنا فيما تقدم أنهم لأي معنى ظلموا أنفسهم ، حيث لم يسلموا أنفسهم لله خالصين ، والظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه ، فإذا لم يسلموا له ـ وضعوا أنفسهم في غير موضعها ، لذلك صاروا ظلمة أنفسهم.
(ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) أي : طلبوا لذنوبهم مغفرة ، وأقرّوا أنه لا يغفر الذنوب إلا الله.
(وَلَمْ يُصِرُّوا) على ذنوبهم ، والإصرار : هو الدوام عليه ، ثم أخبر أن جزاء هؤلاء المغفرة من ربهم ؛ (وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ...) ، إلى آخر ما ذكر.
دلّت هذه الآيات على تأييد قولنا : إن أهل المساوئ والفواحش إذا تابوا صاروا ممن أعدّت لهم الجنة ، وإن لم يكونوا من المتقين من قبل ، فمثله إذا تجاوز الله عن سيئاتهم ؛ وعفا عنهم بما هو عفو غفور ، والله أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ..). الآية :
يحتمل أن يكون الظلم غير الفاحشة.
ويحتمل أن يكون واحدا (١) في المراد ؛ إذ قد يكون في المعنى أن كل عاص ظالم
__________________
(١) في ب : واحدا واحدا.