وقوله ـ عزوجل ـ (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ).
أي : عمّن ظلم.
وروي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم [أنه](١) قال : «ما عفا رجل عمّن ظلمه إلّا زاده الله بها عزّا» (٢) ومن عفا عن الناس عن مظلمة ـ فقد أحسن بذلك ؛ كما يقال : فلان يحسن بكذا ؛ ولا يحسن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
والإحسان يحتمل وجهين :
يحتمل : العلم والمعرفة (٣) :
ويحتمل : أن يفعل فعلا ليس عليه من نحو المعروف والأيادى الذي ليس عليه ، إنما فعله الإفضال ، ذكر ـ هاهنا ـ المحسنين وحبّه ، وأخبر في الآية الأولى أنّ الجنة أعدت للمتقين بقوله ـ عزوجل ـ : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ثم قال : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ، وأخبر أنّ النار أعدت للكافرين.
ثم اختلفوا فيه : قال بعضهم : من لم يكن من المتقين لم تعدّ الجنة له ، فهو ممّن أعدّت له النار ، وهو قول الخوارج والبغاة (٤).
وقال آخرون : إنه أخبر أن النّار أعدت للكافرين ، فهو إذا لم يكن كافرا ـ ليس ممّن أعدّت له النّار ، فهو ممّن أعدّت له الجنة.
وقال غيرهم : أخبر أن النار أعدّت للكافرين وأخبر أنّ الجنة أعدّت للمتقين ، فوصف المتقين : فهم الذين اتقوا معاصيه ، وتركوا مخالفة أمره ونهيه ، فإذا كان قوم لهم مساوئ ـ
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه أحمد (٢ / ٢٣٥ ، ٣٨٦ ، ٤٣٨) ، ومسلم (٤ / ٢٠٠١) : كتاب البرّ والصلة والآداب ، (٦٩ ـ ٢٥٨٨) ، والترمذي (٣ / ٥٥٢) : أبواب البرّ والصلة (٢٠٢٩) ، وابن خزيمة (٢٤٣٨) ، وأبو يعلى (٦٤٥٨) ، وابن حبان (٣٢٤٨) ، والبيهقي (٤ / ١٨٧) ، (٨ / ١٦٢) ، (١٠ / ٢٣٥) من طريق العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله».
(٣) العلم والمعرفة معناهما واحد عند المصنف وأتباعه ، فالعلم عند عامة أهل السنة والجماعة إدراك المعلوم على ما هو به ، وبعضهم عرفه بقوله : معرفة المعلوم على ما هو به. ينظر : أصول الدين للبزدوي (ص ١٠).
(٤) البغاة : يقال في اللغة : بغى على الناس بغيا ، أي : ظلم واعتدى فهو باغ ، والجمع : بغاة ، وبغى : سعى بالفساد ، والبغاة : هم الخارجون من المسلمين عن طاعة الإمام الحق بتأويل ، ولهم شوكة.
راجع : اللسان (١ / ٣٢٣) (بغى) ، المصباح المنير (بغى) ، حاشية ابن عابدين (٣ / ٣٠٨) ، مواهب الجليل (٦ / ٢٧٨) ، كشاف القناع (٦ / ١٥٨).