وفي قوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) يحتمل في المكذبين بالرسل والمصدقين ، (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) يحتمل : لو سرتم فيها لرأيتم آثارهم ، ولعرفتم بذلك ما إليه ترجع عواقب الفريقين.
ويحتمل : الأمر بالتأمّل في آثارهم ، والنظر في الأنباء عنهم ؛ ليكون لهم به العبر ، وعما هم عليه مزدجر (١).
ويحتمل «السنن» : الموضوع من الأحكام ، وبما به امتحن من قبلهم ؛ ليعلموا أن الذي بلوا به ليس ببديع ؛ بل على ذلك أمر من تقدمهم ؛ كقوله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩] ، وكقوله ـ عزوجل ـ : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران : ١٤٤] ، والله أعلم.
وقوله : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ).
يحتمل قوله : (هذا بَيانٌ) يعني : القرآن ؛ هو بيان للناس ، وهدى من الضلالة. (وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) أي : يتعظ به المتقون.
ويحتمل (بَيانٌ لِلنَّاسِ) : ما ذكر من السنن التي في الأمم الخالية.
دل قوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٤٠] أن لله في صرف الدولة (٢) إلى أهل الشرك فعل وتدبير ؛ إذ أضاف ذلك إليه ما به الدولة ، ثم ذلك معصية وقهر وتذليل ، فثبت جواز كون ما هو فعل معصية إلى الله من طريق التخليق والتقدير ، والله أعلم ؛ إذ ذلك لهم بما هم عصاة به ـ عزوجل ـ والله أعلم.
وقوله : (وَلا تَهِنُوا) :
ولا تضعفوا في محاربة العدو ، ولا تحزنوا بما يصيبكم من الجراحات والقروح ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) [آل عمران : ١٤٠] ويحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَهِنُوا) : في الحرب وأنتم تعملون (٣) لله ؛ إذ هم لا
__________________
(١) ليس المراد بقوله : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا) الأمر بذلك لا محالة ، بل المقصود تعرف أحوالهم ، فإن حصلت هذه المعرفة بغير المسير في الأرض كان المقصود حاصلا. ولا يمتنع أن يقال أيضا : إن لمشاهد آثار المتقدمين أثرا أقوى من أثر السماع ؛ كما قال الشاعر :
إن آثارنا تدل علينا |
|
فانظروا بعدنا إلى الآثار |
قاله الفخر الرازي. ينظر : مفاتيح الغيب (٧ / ١١).
(٢) الدّولة : انقلاب الزمان ، والعقبة في المال. ويضمّ ، أو الضم فيه ، والفتح في الحرب ، أو هما سواء ، أو الضم في الآخرة ، والفتح في الدنيا. راجع : القاموس المحيط (ص : ٩٠٠) (دول).
(٣) في ب : تعلمون.