قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : في الآية خبر بانقلاب من علم الله أنه يرتد بموت رسول الله صلىاللهعليهوسلم كقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) [البقرة : ٢١٧].
والشاكرون : الذين جاهدوهم ، قد أخبر الله ـ تعالى ـ أنه يحبّهم ويحبّونه.
وقال الحسن : إن أبا بكر الصّديق ـ رضي الله عنه ـ كان ـ والله ـ إمام الشاكرين (١).
ويحتمل وجها آخر ، وهو أن من كان قبلكم من قوم موسى وعيسى ـ عليهماالسلام ـ كانوا يكذبون رسلهم ما داموا أحياء ؛ حتى قال لهم موسى ـ عليهالسلام ـ (يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) [الصف : ٥] ، وكذلك قال عيسى ـ عليهالسلام ـ : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً) الآية [الصف : ٦] ، فإذا ماتوا ادعوا أنهم على دينهم ، وأنهم صدقوهم فيما دعوهم إليه ، وإن لم يكونوا على ذلك ، فلم ينقلبوا على أعقابهم ؛ فكيف تنقلبون أنتم على أعقابكم إن مات محمد صلىاللهعليهوسلم أو قتل؟!.
والانقلاب على الأعقاب : على الكناية (٢) والتمثيل ، ليس على التصريح ، وهو الرجوع إلى ما كانوا عليه من قبل من الدين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) :
أي : من ارتدّ بعد الإسلام فلن يضرّ الله شيئا ؛ لأنه لم يستعملهم لنفسه ، ولكن إنما استعملهم لأنفسهم ؛ ليستوجبوا بذلك الثواب الجزيل في الآخرة ، فإنما يضرون بذلك أنفسهم ، لا الله ـ تعالى.
والثاني : أنه إنما يأمرهم ويكلفهم ؛ لحاجة أنفسهم ، لا أنه يأمر لحاجة نفسه ، ومن أمر آخر في الشاهد : إنما يأمر لحاجة نفس الآمر ، فإذا لم يأتمر لحق ضرر نفس ذلك الآمر ، فإذا كان الله ـ سبحانه ـ يتعالى عن أن يأمر لحاجته ؛ وإنما يأمر لحاجة المأمور ، فإذا ترك أمره ـ ضر نفسه ، وبالله التوفيق.
(وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) :
قيل : الموحّدين لله.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٥٢) (٧٩٣٨) عن على بن أبي طالب ، وعن العلاء بن بدر (٧ / ٢٥٢) (٧٩٣٩) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ١٤٥) ، وعزاه لابن جرير عن على ، وذكره أيضا أبو حيان في تفسيره (٣ / ٧٥) ، وابن عادل في اللباب (٥ / ٥٧٤).
(٢) الكناية : هو أن يكنى عن الشيء ويعرّض به ، ولا يصرح على حسب ما علموا باللحن والتورية عن الشيء. وقيل : هي إثبات معنى من المعاني ، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ، ولكن يجىء إلى معنى هو ردفه في الوجود فيومئ إليه ويجعله دليلا عليه. راجع : المعجم المفصل في علوم البلاغة د. إنعام فوال عكاوى ص (٦٢٨).