لفعلهم ـ على ما عليه فعلهم ـ خالق ، وأن خلق الشيء ليس هو ذلك الشيء ؛ إذ ذلك الشيء إذا كان انصرافا عن العدو معصية ، وقد تبرأ الله ـ تعالى ـ عن أن تضاف إليه المعاصي ، وقد أضاف انصرافهم إلى فعله وهو الصرف ـ ثبت أنه غير فعلهم ، والله أعلم.
(وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) :
يحتمل وجهين :
يحتمل : (عَفا عَنْكُمْ) ؛ حيث لم يستأصلكم بالقتل.
ويحتمل : (عَفا عَنْكُمْ) ؛ حيث قبل رجوعكم وتوبتكم عن العصيان.
وهذه الآية قوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ) ، وقوله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٤٠] ـ ترد على المعتزلة ؛ [وكذلك](١) قوله ـ تعالى ـ : (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) [آل عمران : ١٥٤] [إلى آخر](٢) الآية ؛ لأنهم يقولون : هم الذين صرفوا أنفسهم لا الله ، وهم الذين كتبوا عليهم القتل لا الله ، وهم الذين يداولون لا الله ، وقد أضاف ـ عزوجل ـ ذلك إلى نفسه ؛ فعلى ذلك لا يضيف إليه إلا عن فعل وصنع له فيه ؛ ولأنهم يقولون : لا يفعل إلا الأصلح لهم في الدين ، فأيّ صلاح كان لهم في صرفه إياهم عن عدوهم؟! وأيّ صلاح لهم فيما كتب عليهم القتل؟! فدل أن الله قد يفعل بعباده ما ليس ذلك بأصلح لهم في الدّين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) :
بالعفو عنهم ، وقبول التوبة ؛ حيث عصوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتركوا أمره ، وعلى قول المعتزلة عليه أن يفعل ذلك ؛ فعلى قولهم ليس هو بذي فضل على أحد ، نعوذ بالله من السرف في القول.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : الفائدة في تخصيص المؤمنين بالامتنان عليهم دون جملة من بعث النبي صلىاللهعليهوسلم فيهم ومنهم ، مع ما ذكر منته بالبعث من أنفسهم ، وقد بيّنا وجه المنة في البعث من جوهر البشر ـ وجهان :
أحدهما : أن من لم يؤمن به لم يكن عرف نعمة من الله ـ تعالى ـ وإن كان ـ في الحقيقة ـ نعمة منه لهم ، ورحمة لهم وللعالمين ، فخص من عرفه ليشكروا له بما ذكرهم ؛ وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) [يس : ١١] ، أي : هم يقبلون ويعرفون حق الإنذار.
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٢) سقط من ب.