وقوله ـ تعالى ـ : (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) ، أي : ليظهر الله للخلق ما في صدورهم مما (١) مضى ، وليجعله ظاهرا لهم.
(وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ)
من الذنوب.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : «الابتلاء والتمحيص هما واحد» (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) :
يقول : هو عالم بما في صدورهم من سرائرهم ، ولكن يجعلها ظاهرا عندكم.
ويحتمل الابتلاء ـ هاهنا ـ الأمر بالجهاد ؛ ليعلموا المنافق منهم من المؤمن ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) :
يعني : إن الذين انصرفوا عن عدوهم مدبرين منهم منهزمين يوم التقى الجمعان : جمع المؤمنين ، وجمع المشركين.
وقوله : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) :
أي : إنما انهزموا ولم يثبتوا خوفا أن يقتلوا بالثبات ؛ فيلقوا الله وعليهم عصيان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكرهوا أن يقتلوا وعليهم معصية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ خوفا من الله ـ تعالى ـ (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ)
بما خافوا الله بعصيانهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
ويحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) ـ أن اللعين لما رآهم أجابوه إلى ما دعاهم من اشتغالهم بالغنيمة ، وتركهم المركز ، وعصيانهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعاهم إلى الهزيمة ، فانهزموا وتولّوا ـ عدوّهم.
ويحتمل قوله : (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) ، أي : بكسبهم ، قال الله ـ عزوجل ـ : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] ؛ فكذلك هذا ، والله أعلم.
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).
قبل توبتكم ، وعفا عنكم ، (حَلِيمٌ) لم يخزكم وقت عصيانكم ، ولا عاقبكم ، أو حليم بتأخير العذاب عنكم.
__________________
(١) في ب : بما.
(٢) ينظر : تفسير ابن عباس (٥٨).