ومن قرأ بالياء : صرف الخطاب إلى الكفرة ، فقال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) يكون خيرا لهم ؛ بل إنما نملي لهم ليكون شرّا وإثما لهم ؛ فالآية على المعتزلة ، لكنهم تأولوا بوجهين :
أحدهما : على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : «ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما ؛ إنما نملى لهم خير لأنفسهم» ؛ فيقال [لهم](١) : لو جاز جعل الآية وصرفها على ما حملتم عليه وصرفتم إليه ، جاز حمل جميع الآيات التي فيها وعد للمؤمنين ، وصرفها إلى الكافرين ، وما كان فيها وعيد للكافرين إلى المؤمنين ؛ إذ لا فرق بين هذا وبين جعلكم الخير مكان الإثم ، والإثم مكان الخير ، وبين جعل الوعد في موضع الوعيد ، والوعيد في موضع الوعد.
والوجه الثاني : قالوا : أخبر الله ـ تعالى ـ عما يئول أمرهم في العاقبة ، لا أن كان في الابتداء كذلك ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ، ومعلوم أنهم لم يلتقطوا ليكون لهم عدوا وحزنا ؛ ولكن إخبار عما آل أمره في العاقبة أن صار لهم عدوا وحزنا ؛ وكذلك يقال للرجل : سرقت لتقطع ، وقتلت لتقتل ، وهو لم يسرق ليقطع ، ولا قتل ليقتل ؛ ولكن إخبار عما آل أمره وحاله في العاقبة ؛ فكذلك هذا ، لكن الإخبار عما يئول الأمر يخرج مخرج التنبيه عن السهو والغفلة في الابتداء ، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يتعالى عن ذلك ؛ فخرج ذلك مخرج التحقيق في الابتداء ، لا مخرج الإخبار عما يئول الأمر في العاقبة ، وبالله التوفيق.
والثاني : أن من أراد أمرا يعلم أنه لا يكون فهو لجهل يريد ذلك أو لعبث ، فالله ـ سبحانه ـ يتعالى عن الجهل بالعواقب ، أو العبث في الفعل ؛ دلّ أنه كان على ما أراد ، لا ما لم يرد ، ولو كان الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يفعل بخلقه إلا ما هو أصلح لهم في الدّين وأخير ـ لم يكن لنهي رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الإعجاب بما أعطى الكفرة من الأموال والأولاد بقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ..). [التوبة : ٥٥] الآية ؛ دلّ أنه قد يعطى ما ليس [هو](٢) بأصلح في الدين ولا أخير ، والله أعلم.
وقال الشيخ ـ رحمهالله ـ : في قوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها ..). الآية [التوبة : ٥٥] ، وقوله ـ تعالى ـ : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) سقط من ب.