يحتمل قوله : (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) أي : لن يضروا أولياء الله ـ عزوجل ـ إنما ضرر ذلك عليهم ، كقوله ـ تعالى ـ : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة : ١٠٥].
ويحتمل : (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) لأنه ليس لله في فعلهم وعملهم نفع ، ولا في ترك ذلك عليه ضرر ؛ إنما المنفعة في عملهم لهم ، والضرر في ترك عملهم عليهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) :
هذه الآية تنقض على المعتزلة قولهم ؛ لأن الله ـ تعالى ـ يقول : أراد ألا يجعل لهم في الآخرة حظا ؛ والمعتزلة يقولون : بل أراد أن يجعل لهم حظّا في الآخرة ؛ إذ يقولون : أراد لهم الإيمان ، وبالإيمان يكون لهم الحظ في الآخرة ، فثبت بالآية أنه لم يكن أراد لهم الإيمان ، والآية في قوم خاص علم الله ـ تعالى ـ أنهم لا يؤمنون أبدا ؛ فأراد ألا يجعل لهم حظّا في الآخرة ، ولو كان على ما تقوله المعتزلة : بأنه أراد أن يجعل لهم حظّا في الآخرة ـ لما أراد لهم أن يؤمنوا ، ولكن لم يؤمنوا لكان حاصل قولهم : أراد الله ألا يجعل لمن أراد يؤمن في الآخرة ، وذلك جور عندهم ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) :
وذكر مرة : (أَلِيمٌ) [آل عمران : ١٧٧] ومرة : (شَدِيدٌ) [آل عمران : ٤] ؛ لأن التعذيب بالنار أشد العذاب في الشاهد وأعظمه ؛ لذلك أوعد بها في الغائب ، وجعل شرابهم وطعامهم ولباسهم منها ، فنعوذ بالله من ذلك.
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) :
قد ذكرنا تأويل هذا فيما تقدم.
(لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً)
ما ذكرنا أنه على الوجهين اللذين وصفتهما ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) الآية :
اختلف في قراءتها ، قرأ بعضهم بالياء :
وبعضهم بالتاء (١) : فمن قرأ بالتاء صرف الخطاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : لا تحسبن يا محمد أنما نملي لهم خير لهم ؛ إنما نملى لهم ليزدادوا شرّا.
__________________
(١) قرأ الجمهور بالغيبة ، وقرأ حمزة بالخطاب. ينظر : الحجة لأبي زرعة (٣ / ١٠١) ، حجة القراءات (١٨٢) ، السبعة (٢١٩ ، ٢٢٠) ، الإتحاف (١ / ٤٩٥) ، اللباب (٦ / ٦٨).