اختلف في سن ذلك الغلام :
قال بعضهم (١) : كان ذلك الغلام كبيرا بالغا ، والعرب قد تسمّي الرجل البالغ الذي لم يلتح بعد ـ أو لم تستو لحيته ـ غلاما ؛ لقربه بوقت البلوغ ، ولذلك قال له موسى : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) ، والصغير مما لا يقتل إذا قتل نفسا بغير حق ؛ فلو كان صغيرا لم يكن لقول موسى : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) [معنى] ، وهو كما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «إنّ أيمانكم تحقن دماءكم» إذا ظهر منهم الدّم وكقوله : «لو لا الأيمان لكان لي ولها شأن» (٢) إذا ظهر منها الزنا ، فعلى ذلك قوله : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) : لو كانت محتملة القتل بالنفس ، والله أعلم.
ثم اختلف في سبب قتل ذلك الغلام :
قال بعضهم (٣) : قتله ؛ لكفره ، كان كافرا ، وكذلك في حرف أبيّ بن كعب : وأما الغلام فكان كافرا (٤) ؛ ألا ترى أنه قال : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) : دل هذا أنّه كان بالغا كافرا ؛ إذ لو لم يكن كافرا لم يلحق والديه منه الطغيان والكفر.
وقال بعضهم (٥) : إنما قتله ؛ لأنه كان لصّا قاطع طريق ؛ يقطع الطريق على الناس ويأخذ أموالهم.
وعلى قول من يقول : إنه كان صغيرا ، قتله ؛ لأنه علم أنه لو بلغ كان كافرا ، والله أعلم بذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك السبب الذي قتله ـ حاجة ، ولا أنه كان صغيرا أو كبيرا ؛ لأنه أخبر أنه إنما قتله بأمر الله لا من تلقاء نفسه ؛ حيث قال : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) ، ولكن إنما فعلته بأمر الله ، ولله أن يأمر عبدا من عباده بقتل الصغير على ما له أن يميته وعلى ما يأمر ملك الموت بقبض أرواح الخلق ؛ فعلى ذلك له أن يميته على يدي آخر ، وأن يقبض روحه ؛ إذ له الخلق والأمر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً).
ليس هو الخوف ، ولكن العلم ، أي : علمنا أنه يرهقهما طغيانا وكفرا ، وكذلك ذكر في
__________________
(١) قاله الحسن ، كما في تفسير البغوي (٣ / ١٧٤).
(٢) أخرجه البخاري (٩ / ٣٨١) ، كتاب التفسير : باب (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ) الآية (٤٧٤٧) ، وأبو داود (١ / ٦٨٤) كتاب الطلاق : باب في اللعان (٢٢٥٤) ، والترمذي (٥ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠) أبواب التفسير باب «ومن سورة النور» (٣١٧٩) ، وابن ماجه (٣ / ٤٦٠) كتاب الطلاق : باب اللعان (٢٠٦٧) ، عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو لا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن».
(٣) انظر : تفسير ابن جرير (٨ / ٢٦٥) ، والبغوي (٣ / ١٧٦).
(٤) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٢٤٥).
(٥) قاله الكلبي ، كما في تفسير البغوي (٣ / ١٧٤).