لَهُما).
اختلف في ذلك الكنز :
قال بعضهم (١) : كان ذلك الكنز مالا كنزه أبوهما.
قال ابن عباس (٢) : حفظ ؛ لصلاح أبيهما ، ما ذكر منهما (٣) صلاح.
وقال بعضهم (٤) : كان ذلك الكنز مصحفا فيها علم.
قال أبو بكر الأصم : لا يحتمل على أن يكون علما ؛ لأن العلم ممّا يعلمه العلماء ويشترك الناس فيه ؛ فلا يحتمل أن يحفظ ذلك لهما دون الناس ؛ فإن ثبت وحفظ ما روي في الخبر فهو مال وعلم.
وروي عن ابن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كان تحت الجدار الّذي قال الله في كتابه (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) لوح من ذهب فيه مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن؟! [و] عجبت لمن أيقن بزوال الدّنيا وتقلّبها بأهلها كيف يطمئنّ إليها؟! لا إله إلا الله ، محمد رسول الله» (٥) فإن حفظ هذا عن رسول الله ففيه مال وعلم ؛ لأن اللوح من الذهب مما يكثر ويعظم قدره ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، والله أعلم.
وقوله : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ).
أي : نعمة من ربك وإحسانا عليهما ؛ إذ كان [له] ألا يحفظ ذلك لهما ، ولا يوصله إليهما على ما لم يعط لكثير من اليتامى والمساكين شيئا من ذلك ، لكن ذلك منه إليهما فضل وإنعام ورحمة عليهما ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي).
هو ما ذكرنا أنه أخبر عن أمر الله فعل ما فعل ، لا عن أمر نفسه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).
أي : تأويل ما قلت لك في بدء الأمر : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) ، ثم لا يحتمل أن
__________________
(١) قاله عكرمة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٢٦٧ ـ ٢٣٢٦٩).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٣٢٧١) وابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه كما في الدر المنثور (٤ / ٤٢٥).
(٣) في الدر المنثور : عنهما.
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٣٢٥٦ ، ٢٣٢٦٤) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٢٥) وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد والحسن.
(٥) أخرجه ابن مردويه ، عن علي بن أبي طالب مرفوعا والبيهقي عنه موقوفا ، وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه والبزار عن أبي ذر مرفوعا ، وهو قول ابن عباس والحسن وجعفر بن محمد وغيرهم.
انظر : الدر المنثور (٤ / ٤٢٤ ، ٤٢٥).