إليهم ، وإمّا بالسماع من الأخبار.
أو أن يكون قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي : قد ساروا في الأرض ، لكن لم تكن لهم قلوب ـ عقول أو أفهام ـ يعقلون بها ما نزل بأولئك بالتكذيب فيعتبروا بذلك ، ولا كانت لهم آذان يستمعون ما حل بهم ، أي : كانت لهم عقول يعقلون بها لو نظروا حق النظر ، وآذان يسمعون بها لو سمعوا حق السّماع ، لكنهم لما لم ينتفعوا بعقولهم وأسماعهم نفى ذلك عنهم ، وهو ما قال : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) الظاهرة ، (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وهو ما نفى عنهم السمع والبصر ؛ لتركهم الانتفاع بها (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨].
وقال بعضهم (١) : هذه الآية في شأن عبد الله بن زائدة ابن أم مكتوم الأعمى ، معناه : أن العمى عمى القلب ، ليس عمى البصر ، وهو كان أعمى البصر ، لا أعمى القلب ، هذا معناه إن ثبت (٢) ، والله أعلم.
وقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) أي : لن يخلف الله وعده الذي وعد في نزول العذاب ، أي : ينزل بهم ، لا يتقدم ولا يتأخر عن ميعاده.
وقوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).
قال عامة أهل التأويل ـ نحو ابن عباس (٣) والضحاك ومجاهد وهؤلاء ـ : إنها هي الأيام التي خلق الله فيها الدنيا وجعلها أجلالها ، يعدّ كل يوم من تلك الأيام كألف سنة ، وإلى هذا صرف عامة أهل التأويل ، فلا نعلم لذلك وجها.
وقال بعضهم (٤) : وإن يوما عند ربّك من عذابهم في الآخرة كألف سنة مما تعدّون في الدنيا ، اليوم الواحد ألف سنة.
ووجه هذا : أن الوقت القصير القليل يجوز أن يصير مديدا طويلا ؛ لشدّة العذاب والبلاء ، نحو ما قيل لهم : (كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [الكهف : ١٩] قصر مقامهم في الدنيا ؛ لشدة ما عاينوا من العذاب ، فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
وجائز أن يكون هذا لا للتوقيت والمدّة ؛ إذ الآخرة ممّا لا غاية لانتهائها ، وكل شيء
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٥٨).
(٢) ينظر : اللباب (١٤ / ١١٢).
(٣) أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٣١٥) ، وزاد السيوطي في الدر (٤ / ٦٥٩) عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة بنحوه أخرجه ابن جرير عنهم (٢٥٣١٧ ، ٢٥٣١٩ ، ٢٥٣٢٠).