بينهم ، والشدة على الكفار بقوله : (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩] ، ثم نهاهم أن تأخذهم رأفة على الزانيين وقت إقامة الحدّ عليهم ؛ دل أن الزاني قد خرج بفعله من الإيمان ؛ لما ذكرنا من رفع الرأفة والرحمة عنهما.
لكن عندنا في الآية دلالة أنه ليس على ما ذهبوا إليه ؛ لأن الزاني لو كان يخرج من الإيمان بفعل الزنا لكان لا يحتاج إلى أن يقول : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) ؛ لأنهم كانوا على ما وصفهم الله بالشدة على غير المؤمنين بقوله : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) ، دل أن الزنا لم يخرجه عن الإيمان ؛ فنهى ألا تأخذ بهما رأفة الإيمان والدين في تعطيل الحدّ أو تخفيفه.
أو أن يكون النهي عن أخذ الرأفة ؛ ليتحمل ذلك الحدّ ، وإلا : لم ينتفع به في الآخرة ، وهو ألا يعذب به ؛ ألا ترى أنه قال : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، وفائدته ما ذكرنا : أنه لا تأخذكم بهما رأفة في إضاعة الحدّ ؛ لما يتأمل من النفع في الآخرة ، نحو : من يشرب الأدوية الكريهة ، ويفتصد ، ويحتجم ؛ لما يطمع البرء به والنفع ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون النهي عن أخذ الرأفة في حد الزاني ؛ ليقام ذلك عليه ؛ فينجو في الآخرة عن عذابه ، والله أعلم.
وقوله : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وقال بعضهم (١) : الطائفة : واحد واثنان فصاعدا ، وكذلك قالوا في قوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) [الحجرات : ٩] ، هما رجلان اقتتلا ؛ دل على ذلك قوله : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات : ١٠] ، وهما اثنان في الظاهر ، لكن أن ينضم إلى كل واحد منهما جماعة من عشيرته ؛ فيكون الطائفة جماعة لا واحدا.
وقال بعضهم الطائفة : جماعة من العشيرة فصاعدا.
ثم يجب أن ينظر لأي معنى أمر أن يشهد عذابهما طائفة من بين سائر الإجرام ؛ فهو ـ والله أعلم ـ يحتمل وجوها :
أحدها : المحنة ، أراد أن يمتحن من حضر ذلك ، أو المرء قد يتألم على ضرب آخر ، وما يحل لغيره ؛ لينزجر عن مثله.
والثاني : لانتشار الخبر في الناس ؛ لينزجروا عن مثله.
والثالث : لئلا يتعدى الضارب ـ والمقيم ـ ذلك الحدّ ويجاوزه على الحدّ الذي جعل له ؛ فإن هو تعدى منعه من حضره عن المجاوزة والتعدي.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٨) ، وعن مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٥٧٢٥ ، ٢٥٧٢٦ ، ٢٥٧٢٧).