ثم معنى تشبيه ما ذكر بالزيت ؛ لأن الزيت أصفى شيء وأطهر وأطيب شيء وأضوأ للسراج ، وكل المنافع من الإدام والدواء وغيره [منه] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) اختلف فيه :
قال بعضهم (١) : قوله : (أَنْ تُرْفَعَ) أي : تعظم ، ويرفع قدرها ـ وهي المساجد ـ على غيرها من البيوت المسكونة بذكر اسم الله فيها ، والتسبيح والتنزيه من الأقذار ، والأنجاس ، ومن الأمور الدنيوية.
وقال بعضهم (٢) : قوله : (أَنْ تُرْفَعَ) أي : تبنى وتتخذ.
فإن كان التأويل هذا ، ففيه الأمر ببناء المساجد واتخاذها.
وإن كان الأول ، ففيه الأمر بتعظيم المساجد ورفع قدرها بما ذكر من ذكر الله والتسبيح فيها.
ثم الإذن في هذا الأمر لوجهين :
أحدهما : بحق إقامة الجماعات فيها في هذه الصلوات المعروفة ؛ إذ الأرض كلها في الأصل جعلت مسجدا ؛ حيث قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» (٣).
فهي من حق جواز الصلاة مسجد ، فيخرج الأمر به مخرج الأمر ببنائها لإقامة الجماعات.
__________________
(١) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير (٢٦١٤١) ، وعبد الرزاق عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٩١).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٦١٣١ ، ٢٦١٣٢ ، ٢٦١٣٣) ، وعبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٥ / ٩١).
(٣) ورد هذا الحديث عن جماعة من الصحابة ، وهم : جابر ، وحذيفة ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وابن عمر ، وأبو ذر الغفاري ، وابن عباس ، وأبو موسى ، وأبو الدرداء ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو أمامة الباهلي ، والسائب بن يزيد :
حديث جابر : أخرجه البخاري (١ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦) كتاب : التيمم حديث (٣٣٥) ، ومسلم (١ / ٣٧٠ ـ ٣٧١) كتاب : المساجد ، حديث (٣ / ٥٢١) ، والنسائي (١ / ٢١٠ ـ ٢١١) كتاب : الطهارة ، باب : التيمم بالصعيد ، حديث (٤٣٢) ، والدارمي (١ / ٣٢٢) ، والبيهقي (١ / ٢١٢) ، وأحمد (٣ / ٣٠٤) عن جابر بن عبد الله ، مرفوعا بلفظ : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ...» ، فذكر منها : «وبعثت إلى الناس عامة».
حديث حذيفة : أخرجه مسلم (١ / ٣٧١) كتاب : المساجد ، حديث (٤ / ٥٢٢) ، وابن أبي شيبة (١ / ١٥٧) ، والطيالسي (ص ٥٦) رقم (٤١٨) ، والنسائي في الكبرى (٥ / ١٥) كتاب : فضائل القرآن ، باب : الآيتان في آخر سورة البقرة رقم (٨٠٢٢) ، وابن خزيمة (١ / ١٣٣) رقم (٢٥٦) ، وابن عبد البر في التمهيد (٥ / ٢٢١) ، والدارقطني (١ / ١٧٥ ـ ١٧٦) ، والبيهقي (١ / ٢١٣) ، من طريق ربعي بن خراش عنه ، مرفوعا بلفظ : «فضلنا على الناس بثلاث» فذكر منها : «وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا».
حديث علي : أخرجه أحمد (١ / ٩٨) ، والبيهقي (١ / ٢١٣ ـ ٢١٤) ، من طريق زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن محمد بن علي ، عنه بلفظ : «أعطيت ما لم يعط أحد ...» ـ