المعنى :
يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم القصاص بسبب القتلى ، يقتص من القاتل بمثل ما فعل مع ملاحظة الأوصاف ، فيقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وقد بينت السنة أن الذكر يقتل بالأنثى ، أما الحر بالعبد ففيه خلاف : فالشافعي ومالك أن الحر لا يقتل بالعبد أخذا بهذه الآية. ويقولون : إنها مفسرة لما أبهم في آية المائدة : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) (١) وعند أبي حنيفة هذه الآية منسوخة بآية المائدة ، القصاص ثابت بين العبد والحر والذكر والأنثى بدليل قوله صلىاللهعليهوسلم : «المسلمون تتكافأ دماؤهم» (٢) والجماعة تقتل بالواحد باتفاق (٣).
ويشترط في القصاص التوافق في الدين فلا يقتل المسلم بالكافر ، وهذا الحكم عند ما يحتكمون إلى القاضي ، وإلا فلوليّ الدم أن يعفو عن القصاص ويأخذ الدية أو يعفو عنهما معا ، بل إذا عفا الولي عن بعض الدم للقاتل ، أو عفا بعض الورثة عن القصاص سقط ووجبت الدية ، وعندئذ يطالب بها بالمعروف من غير شدة ولا عنف ، وعلى القاتل الأداء بالمعروف من غير مماطلة ولا تسويف.
وجواز القصاص والدية والعفو عن كليهما تخفيف من الله لنا ورحمة بنا ، فمن اعتدى بعد ذلك بأن يطالب بالقصاص والدية. أو إذا طولب القاتل بالدية ماطل واعتدى. فلمن فعل هذا نوع من العذاب مؤلم غاية الألم.
ولكم في القصاص حياة عظيمة للجماعة ، تشيع فيها الطمأنينة والهدوء والسكينة فكل شخص يعرف أنه إذا قتل غيره قتل فيه امتنع عن القتل ، فيحيا القاتل والمقتول وهذا القصاص يمنع انتشار الفوضى والظلم في القتل ، وهو سبب في منع الجرائم والحزازات ، وحدّ للشر وسلّ للسخيمة.
وهذه العبارة أبلغ من قول العربي : (القتل أنفى للقتل) وأدل على المقصود وأظهر في الموضوع ، وكل قصاص فيه حياة سامية ، والقتل إذا كان فيه عدل كان أنفى للقتل ، وإن كان فيه ظلم يكون أدعى للقتل.
__________________
(١) سورة المائدة آية ٤٥.
(٢) أخرجه الترمذي وغيره كتاب الوصايا باب لا وصية لوارث رقم ٢١٢٢ وقال حسن صحيح.
(٣) أخرجه البخاري كتاب الوصايا باب الوصايا ص ٢٧٣٨.