ويجوز أن يكون المعنى : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في حظيرة الإسلام كله على أن يكون المؤمنون مأمورين بجميع فروع وأحكام الإسلام ، أما إذا آمنوا ببعض الأحكام ففعلوها كالصلاة والصيام مثلا ، ولم يعملوا ببعض الأحكام كالزكاة والصدقة والحكم بكتاب الله وحدوده ، ومنع الخمر والزنى : وما إلى ذلك مما نراه الآن فتكون هذه الآية من باب الإخبار بالمغيبات بالنسبة للمسلمين في هذه الأيام ، وما دمنا على هذا الحال فنحن الظالمون ، الذين نتبع خطوات الشيطان ونقلده ، مع أنه العدو اللدود الظاهر في العداوة ، والله يقول لنا : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
فإن ملتم عن الحق وابتعدتم عن الإسلام من بعد ما جاءتكم الآيات الواضحات والحجج البينات ، فاعلموا أن الله غالب على أمره ولا يعجزه الانتقام منكم ، حكيم لا يترك ما تقتضيه الحكمة من مؤاخذة المذنب. ويقول كثير من المفسرين : هذه الآيات نزلت في أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا بالبعض الآخر ، ومالوا عن الحق بعد ظهوره.
ألسنا أولى منهم بهذه الآيات نطبقها على أنفسنا؟ ونعتقد أن ما نحن فيه من الاستعباد والضعف جزاء ترك العمل ببعض أحكام الدين المهمة في تكوين الجماعة وتشييد أركانها.
ما ينتظر هؤلاء الخارجون عن أمر الله إلا أن يأتيهم عذاب الله وأمره من حيث ينتظرون الخير تنكيلا بهم وتشديدا عليهم ، وتأتيهم الملائكة بما قدره الله وأراده لهم ، وقضى الأمر وإلى الله لا إلى غيره ترجعون يوم القيامة.
سل يا محمد بنى إسرائيل تبكيتا وتقريعا عن المعجزات الدالة على صدقك وعن الآيات التي جاءت على أيدى الرسل الكرام السابقين خاصة موسى وعيسى فإنها كثيرة ، ومن يغير نعمة الله التي توصل إلى الهداية والخير. فيستعملها في الكفر والعصيان من بعد ما جاءت إليه ووضحت عنده ، لا جزاء له إلا العقاب الصارم ، فالله شديد العقاب.
حسنت الدنيا في أعين الكفار ، وأشربت محبتها في قلوبهم حتى تهالكوا عليها ، وفتنوا بها أيما فتنة ، وهم يستهزئون بالمؤمنين ويسخرون بهم ، مع أن الذين آمنوا واتقوا الله فوقهم يوم القيامة ، إذ هم في أعلى عليين والكفار في أسفل سافلين ، هذا هو الجزاء