المعنى :
فرض عليكم القتال لمن اعتدى عليكم من المشركين ، وهو مكروه لكم لأنكم تخافون إن دارت رحى الحرب بينكم وبينهم أن يفتك القتل بكم ، وأنتم الطائفة القليلة العدد التي تحمل لواء العدل والحق في هذه الجزيرة ، وقيل في تعليل كراهيتهم للقتال : إن الإسلام أوجد في قلوبهم رأفة ورحمة وروحانية تبغض القتل والقتال الذي دعوا إليه وهم يرجون أن يثوب الكفار إلى رشدهم ، وأن يصل نور الإسلام قلوبهم بالحجة والبرهان.
فيا أيها المؤمنون لا يصح منكم أن تكرهوا الحرب والقتال لهذا السبب أو ذاك ؛ فعسى أن تكرهوا شيئا والواقع أنه خير لكم ، إذ في الحرب إعلاء لكلمة الإسلام ودفع الظلم ورفع لمنارة الحق والعدل ، وعسى أن تحبوا شيئا والواقع أنه شر عليكم مستطير.
فالذي فرض عليكم القتال هو العليم بالنفوس التي ختم على قلبها وعلى سمعها وعلى بصرها غشاوة ، فهؤلاء لا ينفع معهم إلا الإبادة والإزالة شأن الدم الفاسد في الجسد لا ينفع معه إلا عملية الإزالة ، وهذا خاص بقتال المشركين الذين فتنوهم عن دينهم وقاتلوهم ، لا في قتال الكفار مطلقا.
والله يعلم وحده وأنتم لا تعلمون.
بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سرية على رأسها عبد الله بن جحش بكتاب منه : امض حتى تنزل بطن نخلة فتأتينا من أخبار قريش ما يصل إليك. وكان ذلك في جمادى الثانية وصادف أن مر بهم عمرو بن الحضرمي ، والحكم بن كيسان وغيرهم مع عير تحمل تجارة لقريش ، فائتمر بالعير عبد الله بن جحش ومن معه وقتلوا ابن الحضرمي وآخر وأسروا رجلين واستاقوا العير ، وفي الواقع أنهم قتلوا ظنا منهم أنهم في آخر جمادى لا في أول رجب.
فلما قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لهم : والله ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ، وأوقف توزيع الغنيمة. وفي هذا حصل هرج ومرج ، واستغل المشركون هذا الحادث في الدعاية ضد النبي صلىاللهعليهوسلم حتى نزلت الآية.