والخمر قد نزلت فيه آيات أربع تدرجت بالعرب حتى وصلت إلى آية التحريم ، وعالج الله الحكيم في هذه الآيات داء عضالا ، علاجا يشهد بإعجاز القرآن حقّا ، والمشاهد أن القرآن عند ما يعالج مرضا اعتقاديا أو عمليا ليس فيه للعادة مدخل يعالج كالشرك والزنى مثلا فإن كان للعادة فيه مدخل كالخمر مثلا تدرج فيه. أولى الآيات : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [النحل ٦٧] ولقد سألني سائل عن سر وضع هذه الآية في تحريم الخمر ، والجواب أنه وصف الرزق بالحسن وترك السكر. وفي ذلك إيهام بأن السكر ليس فيه خير ، وهذا تنبيه للناس بعيد ، ثانيا آياتنا هذه : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) فشربها قوم وامتنع بعدها آخرون ، ثالثا : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [سورة النساء آية ٤٣].
فامتنع الصحابة عن شربها وقت الصلاة ، والصلاة أوقاتها الخمسة تشمل أغلب النهار وجزءا من الليل ، ولكن مع هذا حدثت حوادث بسبب شرب الخمر أم الخبائث ، مما دعا عمر أن يقول : اللهم ربنا أنزل لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية الرابعة : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) إلى قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [سورة المائدة الآيتان ٩٠ و ٩١].
وإطلاق اللغويين الخمر على كل ما خامر العقل ، أى : ستره ، وفهم الصحابة مدلول (الخمر) وهم أدرى باللغة والقرآن ، على أنها تطلق على المسكر من عنب وزبيب وتمر وذرة وشعير وغيره ، ولما ورد في السنة : «كلّ مسكر خمر ، وكلّ خمر حرام» و «ما أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام» يجعلنا مع القائلين بهذا الإطلاق خلافا لبعض الأحناف الذين يطلقون الخمر على عصير العنب إذا اشتد وقذف بالزبدة ، أما غيره فإذا طبخ حتى ذهب ثلثاه حل شربه ما دون السكر (أى : القليل إذا لم يقصد بشربه اللهو والطرب).
على أن تحريم الخمر كان بالمدينة وكان المشروب نبيذ البر والتمر.
والميسر كما عرفته آنفا.
أما الخمر ففيها إثم كبير : مهلكة للمال ، مذهبة للعقل مضيعة للصحة ، أم الكبائر ، يكفى أنها تسوى بين الإنسان والحيوان الثائر ، وقد أثر الطب ضررها وبعض الدول المسيحية حرمها.