المفردات :
(أَلَمْ تَرَ) : استفهام تعجيب وتشويق ؛ إذ الاستفهام الحقيقي محال على الله.
(حَذَرَ الْمَوْتِ) : خوفه. (يُقْرِضُ اللهَ) المراد : يتصدق لوجه الله. (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) : يضيف له مثله ومثله.
المعنى :
ألم ينته علمك إلى الذين خرجوا من ديارهم وأوطانهم لما لحقهم العدو وحاربهم؟ خرجوا وهم كثرة تعد بالألوف حذر الموت وهوله ، ما دفعهم إلى هذا إلا الجبن والخور وعدم الإيمان بالله ورسله ، ولما خرجوا فارين قال لهم : موتوا ، حيث مكن للعدو منهم فأذلهم ، وما كان تمكين العدو فيهم إلا بسبب جبنهم ، ولقد أذاقهم العدو العذاب وأحسوا بخطئهم الفاحش فكان هذا داعيا إلى تكتلهم وإقبالهم على قتال عدوهم متعاونين باذلين النفس والنفيس ، فهم قد ماتوا زمنا ثم أحياهم الله ، وهكذا سنة الله في الأمم ولن تجد لسنة الله تبديلا.
إن الله لذو فضل على الناس بابتلائهم بالعدو والشدائد التي تصهرهم وتميز الطيب من الخبيث منهم فحقّا «الحوادث تخلق الرجال» والحوادث تخلق الأمم ، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على ذلك بل يعدون هذا نقمة عليهم.
وتشير الآية الكريمة إلى أن موت الأمم غالبا له سببان : الجبن وضعف العزيمة. والثاني : البخل وعدم الإنفاق ، ولذلك قرن الله ـ سبحانه وتعالى ـ الآية السابقة بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ولقد رغب الله في الإنفاق ، إذ عبر بالقرض عن الإنفاق ، من يقرض الله الذي له خزائن السموات والأرض والذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، يضاعف له في ثوابه أضعافا كثيرة لا يعلم عددها إلا الله ومن أصدق من الله حديثا.
والله ـ سبحانه ـ يوسع في الرزق لمن يشاء مهما أنفق في سبيل الله ، ويضيق في الرزق على من يشاء مهما أمسك عن الإنفاق ؛ فأمر المال والدنيا في يده وإليه المرجع والمآب ، فاعملوا أيها المؤمنون فسيرى الله عملكم ورسوله وستردون إلى عالم الغيب والشهادة.