أمثال هذا الكلام (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (١) وهناك من يفعل الخير خوفا من عقابه وطلبا لثوابه ، فهؤلاء خوطبوا بتلك الآية وأمثالها.
يا أيها الذين آمنوا واتصفوا بهذا الوصف العالي وهو الإيمان : بادروا إلى الإنفاق في سبيل الله مما تناله أيديكم ابتغاء مرضاة الله وطلبا لرضوانه ، وأنتم الآن في فسحة من العمل وغدا سيأتى يوم لا تتمكنون فيه من الإنفاق أصلا مع أنه مطلوب ؛ إذ لا بيع في ذلك اليوم ولا شراء ولا كسب بأى نوع من أنواع المبادلة ، ولا يوجد ما يناله الإنسان من الصداقة والخلة والشفاعة ، فهذا هو يوم الجزاء والثواب والعقاب يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، يوم يظهر فيه فقر العباد إلى الواحد القهار ؛ والكافرون نعمة الله الجاحدون حقوق المال المشروعة هم الظالمون لأنفسهم فقط ، هم الذين يمهدون للأفكار السامّة والمذاهب الهدامة حتى تغزو الشرق المسلم ، ألم يقل الرسول صلىاللهعليهوسلم «حصنوا أموالكم بالزكاة» (٢) ولا حصن لها أقوى من أن يعرف الفقير أن له حقّا معلوما في مال الغنى.
والمراد الإنفاق الواجب بدليل الوعيد الشديد ، والدين يطالب بإنفاق القليل مما جعلكم مستخلفين فيه ، فإنه ما آل إليكم إلا بعد أن خرج من يد غيركم أساءوا التصرف فيه ولم يحصنوه ، فكانوا كافرين بنعمة الله ظالمين لأنفسهم.
أمن الحكمة أن يرى الأغنياء الأمة وقد تكاتفت عليها الأعداء الثلاثة من فقر وجهل ومرض ، ثم هم يبذّرون المال ذات اليمين وذات اليسار في الخارج وعلى موائد القمار وفي الليالى الحمراء ويعرف الجميع هذا؟ ثم يقول الناس : إنهم يحاربون الأفكار الهدامة كالشيوعية وغيرها.
لا يا قوم إن أسلحة الحرب لهؤلاء الأعداء هي القوانين الإسلامية والحدود الشرعية ، والإنفاق في سبيل الله أمضى سلاحا (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) (٣).
__________________
(١) سورة البقرة آية ٢٤٥.
(٢) رواه البيهقي في السنن الكبرى ٣ / ٣٨٢.
(٣) سورة البقرة آية ٢٧٢.