المعنى :
قد أطلق الله في الآية السابقة إيتاء الصدقة للفقراء مسلمين وغير مسلمين ، وقد أرشدنا الله في هذه الآية إلى عدم التحرج في إعطاء غير المسلمين بحجة عدم الاهتداء إلى الدين فإن الهداية من الله ، والشفقة تقتضي إعطاء الإنسان المحتاج مطلقا بقطع النظر عن دينه.
وقد ذكروا في أسباب النزول روايات كثيرة كلها تدور حول هذا ، فعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يأمرنا بألا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية.
وإذا كان الله يخاطب النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : ليس عليك هدايتهم ولكن الله يهدى من يشاء إلى دينه فالمسلمون من باب أولى.
ولا يصح أن يكون الباعث على الإنفاق الرغبة في دخول الناس في الإسلام وإنما الباعث عليه هو أن الإنفاق لنا (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) نعم هو لنا في الدنيا إذ لا ينكر أحد ما للإنفاق من الأثر البين في جذب القلوب وسلّم السخائم والأحقاد ونشر الأمن والطمأنينة ومنع السرقة وقطع الأفكار السامة والمبادئ الهدامة ، وأما في الآخرة فجزاؤه يوفى إلينا ، ولا يصح أن يكون الإنفاق إلا في الخير ابتغاء وجه الله لا وجه الدنيا والشيطان ، وعلى ذلك فلا منّ ولا إيذاء لأنك ما فعلت لأحد شيئا وإنما قدمت لنفسك ما ينفعها ولا رياء ولا سمعة حيث تقصد وجه الله.
وما تنفقوا من مال قل أو كثر يوف إليكم أجره في الآخرة وأنتم لا تظلمون شيئا فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [سورة الأنبياء آية ٤٧].
علم مما مر أن الإنفاق يكون للفقراء عامة ولا حرج على من ينفق على غير المسلم ، ثم بين هنا أحق الناس بالصدقة وهم الفقراء بأوصافهم.
الصفة الأولى : الذين أحصروا في سبيل الله ، أى : منعوا أنفسهم من الكسب وحبسوها على الجهاد في سبيل الله. نزلت هذه الآية في أهل الصفة وهم فقراء المهاجرين الذين هاجروا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتركوا مالهم وكان عددهم حوالى أربعمائة رجل.