المعنى :
لله ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وتصريفا وعلما ، فهو العليم بكل شيء ، وإن تظهروا ما استقر في نفوسكم وثبت من الخلق الكامن والداء الباطن أو تكتموه وتخفوه فالله محاسبكم عليه ومجازيكم به إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وهو يغفر لمن يشاء ذنبه بتوفيقه إلى التوبة والعمل الصالح الذي يمحو السيئة. ويعذب من يشاء لأنه لم يعمل خيرا يكفر عنه سيئاته ولم يتب إلى الله ، والله على كل شيء أراده قدير.
روي أن هذه الآية حين نزلت اشتد ذلك على الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ فأتوا النبي وقالوا : يا رسول الله : كلفنا من الأعمال ما نطيق كالصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتريدون أن تقولوا : سمعنا وعصينا؟ بل قولوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» ونزلت الآية التي بعدها. (١)
من هذه الرواية فهم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) حيث فهم أن ما في نفوسكم هو الوساوس والخواطر التي لا يتأتى للإنسان دفعها.
والظاهر من النظم الكريم أن ما في نفوسكم أى : ما استقر في نفوسكم من الخلق الراسخ الثابت كالحب والبغض وكتمان الشهادة وقصد الخير والسوء .. إلخ.
أما الهواتف والخواطر فإن استرسلت فيها حسبت عليك وكانت من أعمالك وإن شغلت نفسك بغيرها وطردتها لم تحسب عليك ، وهي في أولها مما لا يمكن دفعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، والآية الآتية ليست ناسخة ولكنها موضحة ، أما قول الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ فتأويله أنهم الأطهار الأبرار الذين يريدون أن يتطهروا من الإثم ومقدماته بل كل شيء يتعلق به ، ولذا قالوا : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فرضي الله عنهم أجمعين.
__________________
(١) أخرجه مسلم في كتاب الايمان باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس ٢ / ١٤٤.