كل آمن بالله الواحد الأحد الفرد الصمد وملائكته الكرام على أنهم السفرة البررة بين الله وبين رسله ، قاموا بتبليغ ما أنزل على الأنبياء من كتبه ـ جل شأنه ـ وآمن الكل بالرسل الكرام ، لا نفرق نحن المؤمنين بين رسله ، إذ كل الأنبياء المرسلين سواء في الرسالة والتشريع لا يختلف واحد عن واحد باعتبار تقدمه في الزمن أو تأخره أو كثرة أتباعه أو قلتهم مع إيمانهم بأن الله فضل بعض الرسل على بعض (في غير الرسالة والتشريع) كما سبق في قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ) وهذه مزية أتباع محمد صلىاللهعليهوسلم يؤمنون بكل الأنبياء لا يفرقون بين الأنبياء.
آمنوا بما ذكر وقالوا : سمعنا وأطعنا ، أى : بلّغنا فسمعنا القول سماع وعى وقبول وأطعنا ما أمرنا به طاعة إذعان وانقياد معتقدين أن كل أمر ونهى إنما هو لخيرى الدنيا والآخرة.
ويسألون الله ـ تعالى ـ أن يغفر لهم ما عساهم يقعون فيه فيعوقهم عن الرقى في مدارج الكمال ومعارج الإيمان فهم يقولون : غفرانك ربنا وإليك المصير.
روى أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما نزلت عليه هذه الآية قال له جبريل : «إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه» فسأل إلى آخر السورة. (١)
لا يكلف الله أحدا فوق طاقته بل أقل من طاقته ، وهذا من لطف الله بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم. وهذه الآية هي الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ والموضحة لقوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (٢) أى : هو وإن حاسب وسأل ولكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه وما في وسعه.
لكل نفس ما كسبت من خير ، وما اكتسبت من شر فعليها وزرها ، ويظهر لي ـ والله أعلم ـ أن السر في التعبير في جانب الخير (كسبت) وفي جانب الشر (اكتسبت) أن الخير لا يحتاج إلى عمل وجهد كثير ولا كذلك الشر فإنه يحتاج إلى تعمل ومخالفة للطبيعة.
علمنا الله هذا الدعاء لندعو به :
__________________
(١) أخرجه ابن جرير.
(٢) سورة البقرة آية ٢٨٤.