المعنى :
كل الطعام كان حلالا لبنى إسرائيل ولإبراهيم من قبله إلا ما استثنى (وهو ما حرم إسرائيل على نفسه) ؛ إذ كل الطعام كان حلالا من قبل أن تنزل التوراة ثم حرم الله عليهم بعض الطيبات في التوراة عقوبة لهم على أفعالهم (١) ، قال ـ تعالى ـ : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) [النساء ١٦٠] (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [سورة الأنعام آية ١٤٦].
وفي هذا رد على اليهود في دعواهم البراءة مما نسبه إليهم القرآن من الظلم والصد عن سبيل الله كثيرا ، وبيان أن تحريم ما حرم على إسرائيل لم يكن إلا تأديبا على جرائم ارتكبوها وسيئات اجترحوها ، والنبي صلىاللهعليهوسلم وأمته لم يرتكبوا هذا السيئات ، فكيف تحرم عليهم هذه الطيبات؟ وبيان أن إبراهيم لم يكن محرما عليه شيء من هذا ؛ إذا التحريم حصل بعد نزول التوراة وكل الطعام كان حلالا قبلها.
وهنا سؤال : ما المراد بإسرائيل؟ وما الذي حرمه على نفسه؟
وفي الإجابة على هذا خاض كثير من المفسرين ، ونقل بعضهم روايات الله يعلم أنها إسرائيليات مدسوسة ، كلها تدور على أن إسرائيل هو يعقوب وقد حرم لحوم الإبل على نفسه ، وقيل : شحومها ، وقيل : العرق الذي على الفخد.
ولكن يرد هذا أن يعقوب بينه وبين نزول التوراة زمن كثير فأى فائدة في التقييد بقوله من قبل أن تنزل التوراة؟
والظاهر أن المراد من إسرائيل بنو إسرائيل ، أى : الشعب نفسه وقد حرم على نفسه بعض الأشياء ؛ وذلك بسبب أعماله كما مر ، وكما وصفهم القرآن بقوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) [سورة النساء آية ١٦٠].
__________________
(١) هذا المعنى يستقيم إذا أريد بإسرائيل شعب إسرائيل لا يعقوب نفسه ، ولأن التحريم كان بسبب أفعالهم نسب إليهم (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ).