سبب النزول :
روى أنه مر شاس بن قيس اليهودي ـ وكان شديد الكفر كثير الحسد على المسلمين ـ مر بنفر من الأنصار يتحدثون فغاظه ذلك حيث اتحد الأوس والخزرج ، واجتمعوا بعد الذي كان بينهم في الجاهلية ، وقال اللعين : ما لنا معهم إذا تجمعوا من قرار ، فأمر شابا من اليهود كان معه : أن اذهب إليهم وذكرهم بيوم بعاث ـ كان بين الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس ـ وما قيل فيه من الأشعار فتنازع القوم وتصايحوا : السيوف السيوف.
وجمع كل فريق منهم جموعه ، فبلغ النبي صلىاللهعليهوسلم هذا فخرج إليهم ومعه المهاجرون والأنصار وقال : أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وألف بين قلوبكم؟ فعرف القوم أنها نزعة الشيطان وكيد العدو فألقوا السلاح وبكوا وتعانقوا ثم انصرفوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن جرير : نزل قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ) الآية في شأن شاس اليهودي.
ونزلت الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا ...) في الأنصار [آل عمران ١٤٩].
المعنى :
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب فيما يكيدون لكم ويوقعون بينكم من العداوة والبغضاء ، يردوكم بعد أن منّ الله عليكم بالإيمان والمحبة والصفاء كافرين بالله والدين والخلق الكريم (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) [سورة البقرة آية ١٠٩].
وكيف تكفرون بالله؟ وكيف تطيعونهم فيما يأمرون به ويشيرون؟ والحال أنكم تتلى عليكم آيات الله. وهي روح الهداية وجماع الخير وحفاظ الإيمان تتلى غضة ندية. وبين أظهركم رسول الله إمام المرسلين ورسول المحبة والخير والألفة والرشاد ، فهل يليق بمن أوتوا هذا أن يتبعوا أهواء قوم ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل؟