إليها من يخاطب الناس ويؤثر فيهم مع التقوى والتخلق بأخلاق الأنبياء ، وأن يكون الداعية مثلا أعلى في الخلق الكامل ، ولنا في رسول الله أسوة حسنة.
فإذا توافرت هذه الشروط فأولئك البعيدون في درجات الكمال هم المفلحون في الدنيا والآخرة ، وأمة هداتها وقادتها بهذا الوضع لا بد أن تكون العزة والكرامة لها.
ولا تكونوا ـ أيها المسلمون ـ كالذين تفرقوا واختلفوا اختلافا كثيرا كما حصل لليهود والنصارى من بعد ما جاءتهم البينات الواضحات التي تهديهم إلى السبيل لو اتبعوها ، وما ذلك إلا لأنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ولم تكن فيهم أمة تهديهم إلى الخير وترشدهم إلى الطريق (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (الآيتان ٧٨ ، ٧٩ من سورة المائدة).
والاختلاف المنهي عنه هو الاختلاف في الأصول العامة للدين وتحكم الهوى وإدخال السياسة المذهبية ، والبعد عن مناهل الشريعة والأخذ بالمتشابه.
أما الخلاف في الوسائل وكيفية الأداء كاختلاف المذاهب عندنا في كيفية الوضوء لتعدد فعل النبي صلىاللهعليهوسلم ولأن القرآن يسمح بكل صورة قال بها إمام من الأئمة ، فلا شيء فيه إذ كلهم من رسول الله ملتمس.
والمسلمون قد اختلفوا شيعا وأحزابا لما تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتركوا روح الدين واشتغلوا بالأمور الشكلية.
والأمة التي فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فأولئك جميعا هم المفلحون ، وأولئك المختلفون والمتفرقون التاركون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لهم عذاب عظيم. لا يعرف له حد ولا يدرى له كنه.
يوم تبيض وجوه المؤمنين وتشرق ويسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، وتسود وجوه المختلفين الذين لم يتواصوا بالحق والصبر من أهل الكتاب والمنافقين ، وتظلم وتكتئب حينما يرون ما أعد لهم من العذاب المقيم ، فأما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم تأنيبا وتوبيخا : أكفرتم بالرسول محمد بعد إيمانكم به؟ فقد كنتم على علم ببعثته وعندكم أوصافه والبشارة به ، ولكن كفرتم به حسدا وحقدا ، وكانوا قبل البعثة