المناسبة :
لما وصف أهل الكتاب بأن منهم المؤمنين ، ومنهم الفاسقين ثم بين حالهم ومآلهم خاصة اليهود ، كان من العدل أن يبين حال المؤمنين منهم وإن كانوا قلة.
المعنى :
ليس أهل الكتاب متساوين في أصل الاتصاف بالقبائح ، بل منهم من تقدمت صفته. ومنهم أمة مستقيمة على طاعة الله ، ثابتة على أمره ، من صفاتهم أنهم يتلون آيات الله ويقرءون القرآن خاصة في ساعات الليل (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٧٨ الإسراء).
ففي صلاة الليل والتهجد يكثرون من قراءة القرآن وحدهم ، حيث ينام الكون كله وحارسه لا ينام ـ سبحانه وتعالى ـ وهم يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا صادقا خالصا لا شبهة فيه ولا نفاق معه ، إيمانا بكل ما يجب الإيمان به.
فهم قد كملوا أنفسهم بالقرآن وتلاوته ، والإيمان وحلاوته ، ثم أرادوا لسمو أنفسهم وطهارة ضميرهم أن يكملوا غيرهم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ويبادروا إلى فعل الخيرات بسرعة وبلا إمهال ، وهكذا شأن المؤمنين أمثال عبد الله بن سلام ومن على شاكلته ، أولئك عند الله من الصالحين الذين صلح حالهم وعلت درجاتهم.
وفي هذا رد على اليهود حيث زعموا أن من آمن منهم هم شرارهم لا خيارهم ، إذ لو كان فيهم خير لما آمنوا.
وما يفعلون من الطاعات فلن يحرموا ثوابه ، ولن يمنعوا جزاءه. والله شكور عليم بالمتقين ، فلن ينسى ولا يهمل ، وليس ممن يجهل الجزاء ، وهو القادر على كل شيء ، البصير بكل عمل.