رسول كسائر الرسل لم يدّع أنه إله ، ولم يطلب لنفسه العبادة حتى إذا مات أو قتل تركتم دينه ورجعتم كفارا.
ومن ينقلب على عقبيه ويعود إلى الكفر فلن يضر الله بشيء من الضرر ، وإنما يضر نفسه ؛ وأما من ثبت على دينه وجاز هذا الامتحان الدقيق فهو من المجاهدين الصابرين الشاكرين الذين سيجزيهم الله خير الجزاء ، وقد كانت هذه الآية تمهيدا لموت النبي صلىاللهعليهوسلم بعد أداء رسالته وقولا فصلا لأمثال عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ.
ثم بعد ما لام القرآن المؤمنين على ما بدر منهم حينما بلغهم قتل النبي صلىاللهعليهوسلم ذكر لهم : بأنه رسول كبقية الرسل ، لم يطلب لنفسه العبادة ، حتى إذا مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم كافرين ، وإنما كان يأمركم بعبادة الله ، والله حي لم يمت ، ومهمته البلاغ فقط ، فإذا ليس لوجوده دخل في استمرار عبادة الله.
وهنا يلومهم أيضا على أن النبي لو قتل ـ كما أشيع ـ ما كان لكم أن تفعلوا ما فعلتم.
ليس من شأن النفوس ، ولا من سنة الله فيها ، أن تموت بغير إذنه أو مشيئته ، التي يجرى بها النظام العام في الكون ، وارتباط الأسباب بالمسببات ، فالله وحده هو المتصرف في كل شيء ، وله الأمر فيأذن للملك يقبض الروح في الموت العادي وغيره ، في الإنس والجن حتى في نفسه ، الموكل بقبض الأرواح.
كتب هذا كتابا محكما مؤقتا بوقت لا يتعداه ، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [سورة النحل آية ٦١] وإذا كان العمر لله ، وانقضاؤه بإذنه وإرادته. فكيف يصح الجبن والوهن والضعف والانخذال؟؟
ومن يرد ثواب الدنيا بجهده وعمله ، وأعطاه الله شيئا من ثوابها. ومن يرد ثواب الآخرة وجزاءها أعطاه الله شيئا من ثوابها ، على حسب إرادته ومشيئته في كلا الحالين ، وأما أنتم يا من ضعفتم وفشلتم وتنازعتم وخالفتم أمر نبيكم وقائدكم لأجل الغنيمة ، ما الذي تريدون بعملكم؟ إن كنتم تريدون الدنيا فالله لا يمنعكم من ذلك ، ولكن ليس هذا طريقها ، إن العمل الذي يدعوكم إليه محمد صلىاللهعليهوسلم هو للدنيا والآخرة.
ولا تنس أن التعبير بقوله : (يُرِدْ) دليل على أن الإرادة للشخص هي التي تكيف العمل فتارة يكون خيرا وتارة يكون شرا «إنما الأعمال بالنيات» أما الله ـ سبحانه وتعالى ـ فسيجزى الشاكرين نعمه. الواقفين عند حدوده ، الثابتين مع نبيه.