وكثير من الأنبياء السابقين قاتل معهم في سبيل الله ولإعلاء كلمته ، جماعات في أحرج الأوقات وأشدها ، فما وهنوا ولا ضعفوا ولا خضعوا للدنيا ومتاعها ، بل ظلوا كما هم لم تزعزعهم الأعاصير ثابتين ، والله يحب الصابرين الذين صبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله فهو يهديهم ويرشدهم ، ولا شك أن هؤلاء مبالغون في التعلق بالله ـ سبحانه ـ هذا عملهم ، أما قولهم فهو : ربنا اغفر لنا ذنوبنا ، واستر ما ألممنا به مما نعلمه ولا نعلمه واغفر لنا إسرافنا ومجاوزتنا أمرك ، فهم مهما فعلوا من الخير يرون أنفسهم مقصرين ، أو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ... وثبت أقدامنا على صراطك المستقيم وأمام عدوك المبين ، وانصرنا على القوم الكافرين.
فآتاهم الله ثواب الدنيا والسعادة فيها بالرضا والقناعة والعزة وحسن التوكل على الله ، وثواب الآخرة وهو الجزاء الأوفى ، أولئك رضى الله عنهم ورضوا عنه وذلك هو الفوز العظيم.
وأنتم يا أصحاب الرسول محمد وخاتم الأنبياء والمرسلين أولى بهذا.
روى أن بعض المنافقين حينما أذيع خبر مقتل النبي صلىاللهعليهوسلم قال :
من لنا برسول إلى ابن أبىّ يأخذ أمانا لنا عند أبى سفيان؟ وقال بعضهم : لو كان نبيا ما قتل ، ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم ، وهذا أبو سفيان ينادى : العزى لنا ولا عزى لكم ، فنزلت هذه الآيات.
وبعد ما رغب المؤمنين في الاقتداء بأنصار الأنبياء السابقين وبين جزاء هذا وحذرهم من متابعة الكفار فإن في ذلك خسارة لهم.
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا كأبى سفيان وعبد الله بن أبى والداعين إليهما ، إن تطيعوهم يردوكم كافرين كما كنتم ، خاسرين في الدنيا بالذلة بعد العزة وتحكم العدو فيكم ، وحرمانكم من السعادة والملك الذي وعده الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً). (١) وأما خسران الآخرة فعذاب شديد يوم القيامة.
بل الله مولاكم ولا مولى لهم ، فلا يليق أن تفكروا في ولاية أبى سفيان أو غيره ولا
__________________
(١) سورة النور آية ٥٥.