فهذا خلق فيه دواعي الخير والشر ، فبالخير والشر تصلح الدنيا وتعمر ، وبهذا تظهر حكمة إرسال الرسل.
وإن أردتم موضع السر فالله قد علم آدم أسماء الأشياء المادية التي بها تعمر الدنيا وتصلح إلى الأبد ، ثم عرض هذه الأشياء على الملائكة ، وقال لهم : أخبرونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين في دعوى أنكم أحق بالخلافة من غيركم. فوقفوا عاجزين ، قالوا : يا رب لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم بكل شيء الحكيم في كل صنع.
فقال المولى ـ جل جلاله ـ : يا آدم أخبرهم بأسمائهم ، فلما أخبرهم بالأسماء أدركوا السر في خلافة آدم وبنيه وأنهم لا يصلحون لعدم استعدادهم للاشتغال بالماديات ، والدنيا لا تقوم إلا بها إذ هم خلقوا من النور وآدم خلق من الطين ، فالمادة جزء منه. وهنا قال الله ـ سبحانه ـ : ألم أقل إنى أنا العالم بكل ما غاب وما حضر في السموات والأرض؟ وأعلم ما ظهر ، وما تبدون وما تكتمون.
قصة ثانية تبين لنا مدى تكريم الله للإنسان ؛ حيث أمر الملائكة بالسجود له ، وفي هذا تعظيم وأى تعظيم!
واذكر يا محمد لقومك وقت أن قلنا للملائكة الأطهار : اسجدوا لآدم سجود تعظيم وإجلال لا سجود عبادة وتأليه كما يفعل الكفار مع أصنامهم ، فسجد الملائكة جميعا وامتثلوا أمر الله إلا إبليس اللعين فإنه امتنع من السجود واستكبر قائلا : أأسجد له وأنا خير منه؟ خلقتني من نار وخلقته من طين ، منعه حسده وغروره وتكبره من امتثال أمر ربه ، ولعل هذا الإباء والاستكبار والتعالي والغرور الذي عند إبليس من صفات النار التي خلق منها ، وهكذا قد خرج عن أمر ربه فاستحق اللعنة وكان من الكافرين.
يا ابن آدم! هكذا شرفك الله وكرمك (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) (١) بأن جعلك خليفة في الأرض ، وعلمك ما لم تكن تعلم (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ، وأمر الملائكة بالسجود لأبيك فسجدوا ، أفيليق بك أن تقف موقفا لا يرضاه ربك؟ لا بل يجب أن تمتثل أمر ربك وأن تعصى الشيطان عدوك ، وأن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
__________________
(١) سورة الإسراء آية رقم ٧٠.