كل حي إلى ممات ؛ وكل نفس إلى فوات ، وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ، وكلكم تموتون ، فمن كان منكم مسيئا كالكفار فإساءته محدودة موقوته فلا تضجروا منها ولا تألموا فسيجازون عليها الجزاء الأوفى.
وأنتم لا تيأسوا ولا تحزنوا من ضر أصابكم أو ألم حاق بكم ؛ فكل نفس ذائقة الموت ، وإنما تأخذون حقكم وجزاءكم وافيا كاملا غير منقوص يوم القيامة ، يوم الجزاء والوفاء ، يوم القسطاس والميزان ، يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
فمن نحّى عن النار وأبعد عنها وأدخل الجنة فقد فاز فوزا عظيما ، وهذا التعبير فيه إشارة إلى أن أعمال الناس في مجموعها تدعو أصحابها إلى النار لأن الإنسان فيه معاني الحيوانية والشهوة أكثر بكثير من معاني الخير ، فكأن كل شخص مشرف عليها ، وأن مجرد الزحزحة عنها فوز وأى فوز؟! فالمزحزحون عن النار : من غلبت صفاتهم الروحانية على صفاتهم الحيوانية فأخلصوا أو اتجهوا لله ـ سبحانه وتعالى ـ.
وما الحياة الدنيا ـ والمراد منها حياتنا هذه ومعيشتنا الحاضرة التي نشغلها باللذات الجسمانية كالأكل والشرب أو المعنوية كالجاه والمنصب والسيادة ـ هذه الحياة متاع الغرور لأن صاحبها دائما مغرور بها مخدوع.
شبه الدنيا بصفقة خاسرة اشتراها صاحبها من النفس والشيطان والهوى وقد غشه فيها البائع وغره ودلس عليه ، فلما انتهى الأمر تبين فسادها ورداءتها.
فالواجب على العاقل ألا يغتر بها وألا يسرف في حبها ويترامى في أحضان مظاهرها وإلا أصابه شررها ، والويل له عند فراقها.
وبعد هذا سلّى الله نبيه المصطفى بتسلية عامة في الحرب والسلم : وهي كما لقى من الكفار يوم أحد ما لقى!! سيلقى أذى كثيرا في النفس والمال.
والمقصود من هذا توطين النفس وتربيتها على تحمل الأذى والشدائد.
والابتلاء من الله في الأموال يكون بطلب البذل في جميع وجوه الخير والبر وفيما يعرض من الحوائج والآفات ، والابتلاء في النفس يكون بطلب الدفاع والجهاد في سبيل الله والقتل في الحرب والموت العادي في الأهل والأولاد.