للإيمان : أن آمنوا بربكم وصدقوا برسالتي ، فلم يتلكئوا ولم يبطئوا بل أسرعوا فآمنوا بالمنادي ورسالته وكتابه المنزل عليه ، ومن آثار الإيمان القلبي المبنى على اليقين الكامل أن قالوا : ربنا فاغفر لنا ذنوبنا التي ارتكبناها من مخالفة أمرك ؛ وهكذا حينما يمتلئ القلب من الإيمان الصحيح يشعر صاحبه بالخوف من ذنوبه وهفواته ، فيطلب من الله المغفرة والستر (حسنات الأبرار سيئات المقربين) وقيل : المراد بالذنوب : الكبائر ، والسيئات : الصغائر ، وقال بعضهم : الذنوب : التقصير في عبادة الله ، والسيئات : التقصير في حقوق العباد ومعاملة الناس بعضهم لبعض ، ربنا وأمتنا مع الأبرار الأطهار من عبادك المخلصين ، ربنا وأعطنا ما وعدتنا (وأنت الصادق الوعد) من حسن الجزاء والنصر في الدنيا والنعيم السابغ في الآخرة جزاء على تصديق رسلك واتباعهم ، ولا تفضحنا ولا تهتك سترنا يوم القيامة يوم تكشف السرائر وتهتك الحجب والستائر.
إنك يا رب لا تخلف الميعاد (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (١).
فاستجاب لهم ربهم بأن أعطى كل عامل جزاء عمله كاملا غير منقوص سواء كان ذكرا أو أنثى. لا فرق عنده ، بل العدل يقتضى المساواة التامة في الجزاء ، وقد أشير إلى أن هذا الجزاء إنما هو باعتبار العمل لا باعتبار شيء آخر : «يا فاطمة لا أغنى عنك من الله شيئا» (٢) حديث شريف.
وإنه لا فرق بين الذكر والأنثى بعضكم من بعض ، فالرجل مولود من الأنثى والأنثى مولودة من الرجل ، إذ كلهم لآدم وآدم من تراب.
وقد أتبع هذا الحكم ببيان سببه ، فلا غرابة في هذا فالذين هاجروا من ديارهم وتركوا أموالهم وأولادهم وديارهم إرضاء لله ورسوله ، أو أخرجوا منها عنوة وأوذوا في سبيلي وابتغاء مرضاتي وقاتلوا وقتلوا. لأكفرن عن هؤلاء جميعا سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أثابهم الله ثوابا من عنده وذلك هو الفوز العظيم. والله عنده حسن الثواب ، وحيث ربط القرآن الكريم هذا الجزاء العظيم بالهجرة والقتال والإيذاء في سبيل الله يمكننا أن نؤكد ما قلناه أولا من أن السبب في الجزاء هو العمل وأنه لا فرق بين ذكر وأنثى ، وإنما الفرق بين عمل وعمل ، وإخلاص وعدمه.
__________________
(١) سورة التوبة آية ٧٢.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب التفسير حديث رقم ٤٧٧١.